مرآتي ... !

411 5 1
                                    

         كانتِ الغرفة مظلمة، كنتُ نائمةً على سريرِي في سكون، يزعج هدوء مضجعي صوت كمانٍ حزين، كنتُ أحدق بالسقف بملامح باهثة، كانَ جسدي ساكناً،  صمتُ مخيف حوطني ...
أستمعُ لنغمات الآلة الموسيقية الرقيقة، تفاعلت مهيجات مدامعي على وقع اللحن الحزين ...

       اندفعت عبَراتي مكسرة قيود الكبت، لتسيل كشلال من عينيَّ باتجاه أذنيَّ، لا زال الجمود يعانقني، تلاحم سمعي ودمعي، لتتأنق الألحان بألم لذيذ، جعل ابتسامة لطيفة تشق طريقها نحو مبسمي ...

       بتثاقل شديد، تحاملتْ عضلات يديَّ لتستقر على جبيني، أخفيت عينيَّ الباكيتين، والابتسامة لا تزال مرتسمة ...

       الهدوء، الصمت، السكون، و الألحان الباهثة، جعلت أعضاء جسدي المتعبَ يستسلمُ لغفوةٍ عميقة ..

_________________________

الغرفة بمعالمها البائسة، ‏الحائط المثقل بالذكريات، كتبي القديمة، الأكواب المنتشرة، الفوضى الرهيبة، صندوق الذكريات الثمين، الأوراق المنكمشة، كلها شاهدتني بحزن وأنا أفشل في إستعادة من كان الحياة لقلبي ...

لكن اليوم ...
قررت التغلب على عجزِي المخزِي؛
قررت نزع قناع قوتي المزيف؛
قررت اطلاق سراح الكلمات المسجونة؛
وقررت مواجهة قوة طويلة العنق بداخلي بضعفي البائن؛

أتعلمين نحن أمام المرآة لا مهرب لنا، و لا مفر ...
غير الاستسلام وتقبـُّل دناءةِ ملامحنا الجامدة ...

سيكون اسمكِ مرآتي لأنكِ :

أنتِ مرآة دواخلي، انعكاسُ قلبي في الوجود؛
أنتِ الكون المنطوي بين ثنايا عقلي الشديد؛
أنتِ تقابلُ ملامحي البائسة بوجه سعيد؛
أنتِ، محاولة جادة من العالم للفت انتباهي مجدداً، مع اني صرفتُ النظر منذ مدّة ..

-أغسطس،
واحد وثلاثون يوماً،
شهِدت موتي ببطء،
فقدت "حياة قلبي"،
وبُتِرَ لب الوردة "طويلة العنق" بداخلي،
كانت مرمية على أرضية متسخة، وقد غطتها شوائب السواد، داسَ من داسَ عليها، بقيت تعانق برودة وقسوة الفقد بأنينِ محتضِر ...

كانت يائسة بائسة، ذابلة وكل شموخها تسوَّى أرضاً؛
دامعةُ العينينِ، نازفةُ القلبِ، متوسلةُ رحمة؛

   قليلةُ حظٍ !
تمنَّت الموتَ ولم تمت ...
أُحرِقَتْ كل يوم ولا تحترق ...
صُلِبَتْ كل يوم ولا تشتكي ...
ودَّعتْ روحها كل يوم ولم ترحل عن جسدها ...
كانت الاكثر تعاسة وليس لها من السعادة نصيب ...

مرّ أغسطس ليلوح أيلول في الأفق،
أشرقت شمس العيد، وطويلة العنق انكمشت تحت غطاءها ليلته تبكي وترثى فقدا مثل المسامير انتزع من أعماق قلبها ...

أشرقت شمس العيد، لتشرق حياة أخرى !
وقد كانت تلك الشمسُ أنتِ يا مرآتي ..
عكستِ أملا، نثرتِ دفءًا، خلقتِ فرحاً وجعلتِ الجرح الدامي يزهر جمالاً ...

بكلمات انتقائية لامستِ عميق الاحساس، واستهدفتِ الألم الدفين بذكاءٍ جريء ...

كلمات ليست كالكلمات، حفظتها عن ظهر قلبٍ :

بطبيعة الأحوالِ
ها قد أتاكِ عيد
رغم أنه يعلم أن وجعك ثائر
وأن حظكِ عاثر
وأن سيل الحياة في عروقكِ خاثر *!
وأن قلبك قد خاض معاركا مع نبضهِ الدفاق
وكان دائما خاسر
لكن ،
قد أتاكِ العيد *!
فلا تحزني يا طويلةَ العنقِ
فالله مازال في الأرجاءِ ، في الأفقِ
الله مازال ضوء العين ، وفي العمقِ
فالأمل بعد اليأس كعيدٌ مجيد *!
لا تحزني ،
فمن تهوى صديقاً للورودِ
فلا تذبل ،
لأنهُ بهواها تُجبر الأحزان أن ترحل ،
وبلطفها تجيبُ العيد ضاحكةً ولا تسأل ،
فالعيد محظوظٌ لأنك فيه، لكنه يخجل
ويرجوك قائلا هل من مزيد *!
فلتعودي كما كنتِ عيدا طوال العام ...

_______________

لا أدري ما كان حالي وقتها، لولا ظهوركِ من بين الغيوم السوداء، كنتُ لأتهور وأنهي حياتي بحركة طائشة ...

تعابيركِ، كلامكِ، أسلوبكِ يبث في قلبي راحة لا مثيل لها ...
تنثرين على روحي السلام كحمامة نقية؛
كنت سأتخلى عن طويلة العنق بداخلي بتصرف طائش لكنكِ أوقفتِ ذاك التهور برزانة لطيفة ...
تعجزين ردي على بذاخة كلماتكِ، تعجزين وصفي لما يخالج نفسي وقت حديثي معكِ ..
جئتِ بشكل مختلف، مختلفٍ جدا لدرجة أنني أقرص خدي وأنا أحادثكِ وأتساءل هل هذا حقيقي حقا وأعيشه !

اهتمامكِ بتفاصيل صغيرة؛
لم أكن أتصوَّر أن أحد سيهتم بها بعد "صديق الورود"، تقرئين ماخلف سطوري ...
تقرئين عميق حبري الحزين ..
تفهمينه وتعكسينه بجمالية رقيقة، بطريقة تهز كياني فرحا حد البكاء!

مرآتي قد أعدتِ الحياة لطويلة العنق، لربما من الجنون الاعتراف بهذا، لكنني ممتنة لغيابه كوني تعرفتُ عليِكِ بالمقابل، بعبارة أعمق :

-عانقني الحظ فيكِ قائلاً: "هذا تعويضي لكِ"
إنني لأعتكفُ السجود شاكرة المولى على نعمة كأنتِ؛
قد عوضني الرحمن بدل "صديق الورود"  "حديقة ورود" لا تذبل ولا تشيب، وكانت أنتِ ....

                __________________________

تلك الصغيرة الحليمة ،
في حياتِها مافقدتْ أباً ؛
لكنها فقدت حنانَه !
وما فقدتْ أُمّاً ؛
لكنها فقدت سعادتها !
لم تحملْ في يوماً
مسمّى " يتيمة "
لكنها بالفعلِ
تعيشُ حياةً أليمة *!
ليس لأنهما معها
بل لأنها معهما ،
ربما لولا وجودَ الأداة
ما كانت هناك جريمة *!




خواطر طويلة العنق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن