أريدك!

121 1 1
                                        

.
.
.

أُريدكَ! ~'

..

في كلّ مرّة أتحدّث فيها عن تلك الأُمنية يتناثرُ غُبارٌ غريبٌ حولي، أُرجعه مرّات لتقلّب الطّقس .. وأتجاهلُ أنّه ليس بمحضِ الصّدفة!

..

في مرّة من مرّات هذا التّناثر العجيب ..
كُنتُ بجوارِ سيّدة عجُوز على متنِ القِطار ..
وحينما تساءلَت بعفويّة عن أُمنياتي بعد تعارفٍ لطيفٍ بيننا نخفّف به وطأة ثِقل الرّحلة ..
بدأتُ بعيونٍ برّاقة أصفُ لها كلّ ما أتمنّى ..
وقد كان الجوّ هادئاً ..
ونظَري يتناوبُ بين ملامحها المُجعّدة المُنكمشة، ومنظرِ الطبّيعة الهارب إثر سُرعة القِطار!

..

صمتتُ لوهلة .. سحبتُ نفساً طويلاً وأحاولُ إخفاء ارتباكي، وتوجّسي!
فبالنّهاية .. كلّ ماسيحدث هو صدفة فحسب!

وعُدت للحديث عن أُمنيتي تلك، ومع كلّ حرفٍ ينسابُ منّي يصفها، كانت ذرّات الغُبار تتشكّل من لاشيء ..
وبكلّ غرابة تابعت الحديث، حتّى اختنقَت القاطرة، وبدا الهواء مشابهاً لمكانٍ انهار به جدارٌ ضخم!
كم سيكون حجمُ الغبار حينها!

..
بدأ صوتي يختنق، وسعلتُ بشكلٍ متفرّق .. وبإصرار تابعتُ الحديث .. والعجُوز!
العجُوز  رغم ضبابيّتها أمامي إلّا أنني اندهشتُ من ثباتها وسط عاصفة الغُبار تلك ..
لا تعترض، ولا حتّى تسعُل!

وقلتُ في نفسي أنه ولابدّ أن أتأكدّ بأنني الوحيدة التي تشعر بهذا .. وكلّ الأمر تهيّئات!

ولكنّها في لحظةٍ ما .. سعلَت!
لأتوقّف عن الحديث، وعمّ الصّمتُ المكان ..
والغُبار يخنقُ الهواء تماماً ..

وتحدّثت :

" - أُمنيتكِ هذه عنيفةٌ جدّا!
هل تعلمين سبب هذا الغبار؟"

بغباءٍ .. أجبت:
" أيّ غبار!"

ردّت :
" ليس من تقلّبات الطّقس كما تعتقدين!
إنه يأتِي من بيت مهجُور ومُنهدم ..
وسّكانه .. يغضبُون!
حين تتحدّثين عن أمنيتكِ هذه! "

ثمّ نهضت، مدّت يدها .. وضعتها فوق قلبي، وتابعت:
" - عليكِ حقّا إخلاؤُه .. سينهار قريباً جدّا
البناء الجيّد يأتي من الهَدم الجيّد!"

وتلاشت العَجُوز!
وتبخَر معها كلّ الغُبار ..

كان موضعُ كفّها فوق قلبي لهيبيّاً ..
اخترقتني حرارةٌ من خلاله، وصولاً نحو عينيّ!
ثمّ فتحتُهما ..

.. وبنَفَسٍ مُنقطع طبطبتُ على قلبي، وأدركتُ أنّه مجرّد كابوس!

وفي الحقيقة كنتُ ثابتة فوق سريري، لا راكبةً داخل قطار!

هل سأجرؤُ بعد هذا على البوح بتلك الأمنية!


. .

لكن؛
في كلّ صباحٍ يشرق لا شيء أبدأُ به أيّامي غير تلك الأُمنية!
أمنيةٌ مكوّنة من رغبة، حاجة شديدَة ..
وأمام المِرآة ونفسي دوماً أنهزم وأقول :

" أنا أريد .. أريده! "

. .

وفوق الطاولة دوماً أنا على موعدٍ مع جُدران مُنهدمة، وغبارٍ خانق!

لأنني وقبل تمزيق الورقة كنت أفضحُ الأمنية، وأكتب؛

" - أسيرةٌ أنا وأريدك!

حقّا أُريدك ..
وأعلمُ أنّني لن أضمّك إلى صدري مُطلقاً كما يتمنّى قلبي!
فأنتَ تلك السّماء الصّافية الشّاسعة ..
أمّا أنا فطائرٌ أسيرٌ في زاوية قفص!

وأرنُو إلى وجهكَ بنظرةٍ مِلؤُها حسرة،
من خلف القُضبان الحديديّة الباردة ..
والمُظلمة!

وأتخيّل أن يداً ستمتدُ إليّ من كلّ السّواد ..
وأرفرف بجناحيّ فجأة متّجهة صوبك!

. .

أنا فقط ..

"أريدك!" '

لأن البيت الّذي داخل قلبي، مهجُور
وسُكّانه غاضبُون جدّا!

والغُبار  ..
الغُبار؛  غضبٌ كبير، وضحكاتٌ ساخرَة ..
وبُعد كثير!

وأمنيَة " أريدُك"'
الآيلة بالسّقوط!

خواطر طويلة العنق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن