الحرب

182 2 0
                                        

في الحرب . . !
نصنعُ من هائـل الحزن ابتسامة ً . .
ومن الألـمِ قصيدة . .
و لم نكتبْ الشّعر يوماً،
لكنّنا شعراء . .

__________

كانت عينيّ تشعّ طفولةً عندما سمعتُ صوت طلقِ رصاصٍ لأوّل مرًة . .
كانت جلّ أحلامي بريئةً، ومليئةً بالسّلام بينما كانت مسامعي تلتقطُ صخبَ القذائف . .
كان وعيِي لا يتجاوزُ معرفة الألعاب، واتّخاذها أنيساً حينما صفّرت حولي دبّاباتُ الحرب المدمّرة . .
كنتُ طفلةً، ونطفةً نقيّة لا استيعاب لها قد يتقبّل بركَ الدّماء الّتي تحوّلت إليها شوارعُ مدينَتي . .
كان أنفي لا يفتأُ يمتلئ برائحة الوُرود، و التّراب المبلّل بالمطر، والخُبز المطهُو في الفرن . .
أصبحَ ينزفُ الآن؛
إثر رائحة الموت الّتي غلّفت الهواء . .

___________

حينَ تعودُ بي الذّاكرة لأيّام ما قبل الحرب . .
أستنشقُ عبقَ المودّة والحبّ الّذين كانا يربطان أواصر العلاقات بين النّاس . .
أستحضِر الإخاء الّذي كان لا يلبثُ ينبثقُ من كلّ حلقةٍ محفوفَةٍ بالأصدقاء أو الأهل . .
أتذكّر براءة الأطفال وهم يستبقُون الأحياء في مرحٍ وحُبورٍ . .

وهذا جارنَا امتهنَ الخبازة . .
كان يبدو لطيفاً ودوداً حينما لم يبخَل قطّ في توزيع الخُبز، والفطائر، والحلوى على كلّ فقيرٍ أو محتاجٍ . .
وكذلك على الطّفول . .
ثمّ إنّ رائحة فرنه كانت كافيةً لتملأ الأرواح سلاماً وانتماءاً . .

وهذه جارتناَ اتّخذت الزّهرات خليلاتٍ لها . .
كان محلّها يعبقُ ياسميناً، قرنفلاً، وتلك الزّهورُ الحمراء الّتي كانت تهبُها لكلّ عشِيقين مجّاناً على نخب الحبّ . .
وقد كان الحيّ يختلطُ فيه أريجُ الورود يعانقُ رائحة الخشب المَصبوغ عندما كان صاحبُ الورشة يصنعُ الأبواب، والنّوافذ . .
في حين كانت ألعابه الخشبيّة تحتلّ الصّدارة شغفاً وإقبالاً من طرف الأطفال . .

ذكرياتٌ وذكرياتٌ . .
حينما كان الهواء الطّلق يتسلّل في خجلٍ بين وريقات الأشجار الخجِلة . .
وحينما كان النّسيم العليل يأتي محمّلا بعبير السّلام والسّكينة . .
وحينما كانت الطّرقات آمنة، والعمل مقدّساً، والمدرسة سبيل لضمَان الأحلام . .

_________

مالّذي حدث بعد الحرب . . !
يعودُ بي الإدراكُ إلى الحاضر، إلى ما أصبحنا نعيشه، وإلى الدّمار . .
الطّرقات أصبحَت أطلالاً وخرائب . .
الأحيَاء تنفثُ الهجر والخواء . .
الفرنُ احترق . . !
ومشتلُ الزّهور لم تشفعْ له نظارته، ونقاءه . .!
الورشة غدت رماداً . . !
والبيوتُ رحلتْ مع أهلها، إمّا رحيلاً أو إلى الأبد . . !

أينَ الحبّ ؟ والسّلام ؟ والأمان . . ؟
فُجعنا فيها جميعها . .

آثارٌ ومواتٌ تملأ العين حدّ السّراب . .
أضرارٌ فادحة غطّت المعالم والملامح . .

خوفٌ دبّ، وقهرٌ هيمنَ . .
الأجساد ماتت، والأرواح احترقت . .

اغتصابٌ لكلّ ماهو جميل . .
ورحيلٌ أبديّ للحبّ . .

رحلتُ عن بلدي، ورحلتُ إلى الأبد، ثمّ حاولتُ العيش . . !
لكنّي ‏عدتُ من الحرب بجسدٍ سليمٍ وروح مقتولة .

أتراها هذه المدينة الّتي قُصفت تعود مشرقة . . !
كما كانت . .
حتّى وإن عادت آمنة
يبقى هُناك جزءٌ خاصّ محطّم تماماً.

#طويلة_العنق 💙

خواطر طويلة العنق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن