قارئة الفنجان الحلقة 32 بقلمي/ منى لطفي

16.3K 416 5
                                    

قارئة الفنجان
الفصل (32)
بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
لم تكد تستوعب المنظر أمامها وقد تصاعدت دقات قلبها خوفا وذعرا مما تراه يرفرف عاليا أمامها على الجهة المقابلة لها، حتى تعالى صوت صافرات الانذار تدوي بالمكان، فاتجهت من فورها الى باب قمرتها تحاول الانصات علّها تعلم سبب هذه الضجة الواضحة، وما هي إلا ثوان حتى شعرت بمن يحاول فتح بابها، فابتعدت تتلفت حولها علّها تجد شيئا تستطيع الدفاع به عن نفسها، ولكن من يقف على الناحية الاخرى من الباب لم يترك لها الوقت لذلك اذ سرعان ما فتح الباب واندفع الى الداخل شبحا أسودا وما أن همت بالصراخ حتى كان قد انقض عليها مكمما فمها بيده الضخمة بينما يهمس لها في أذنها محاولا تهدئتها:
-أنا يا ندايا أنا!!!!!!!!!!!
فتحت عينيها غير مصدقة لهذا الصوت الحبيب الذي تسمعه والذي ظنّت أنها لن تعود لسماع نبراته ثانية، أزاح هو يده ببطء بينما لفت هي برأسها تطالعه بعينين غير مصدقتين هامسة بذهول وصدمة فيما شفتيها ترتجفان:
- يو... يوسف!!!!
آهة كبيرة ندت عنه وهو يسمع اسمه من بين شفتيها بعد أن أتى عليه لحظات كاد ييأس فيها من نجاحه للوصول اليها في الوقت المناسب، وليسارع بعدها بضمّها بقوة بين أحضانه مستنشقا رائحتها العبقة، وهو يهمس بعذاب:
- آآه يا روح يوسف، وقلب يوسف وعقل يوسف....
ندى من بين دموعها الغزيرة وهي تتشبث به بقوة خوفا من أن تكون في حلم وتصحو على كابوس خطفها:
- يوسف.. أنا.. أنا مش مصدقة، أنا.. كنت.. كانوا..
من وسط تلعثما وتخبطها بالكلمات فهم ما تريد قوله، ليسارع بمقاطعتها هامسا وهو يبعدها ممسكا وجهها بين راحتيه:
- هششش... خلاص يا قلب يوسف، أنا هنا ومش هسيبك ولا لحظة واحدة...
صوت أقدام تقترب قاطعهما ليضع سبابته فوق فمه كي تصمت، ثم سحبها قابضا على راحتها اليسرى بيده اليمنى مختبئا بها خلف الباب، حتى إذا ما دُفع الباب من أحدهم ودلف الى الداخل أسرع يوسف بتركها والاندفاع خلفه قبل أن يلتفت قابضا بيديه على عنقه ليدير رأسه بحركة لولبية واحدة فتصدر فقرات عنقه صوت فرقعة عالية ويتهاوى بعدها جاحظ العينين الى الارض، لتكتم ندى شهقتها بيديها ولكن يوسف لا يدع لها الوقت للتساؤل أو الدهشة أو حتى الخوف، أذ سارع بسحبها والخروج من القمرة مستندان الى الحائط، بينما الهرج والمرج لا يزال سائدا، وأصوات مختلطة تصل أسماعهما، ليرفع يوسف معصمه ناظرا الى ساعته اليدوية المخصصة للظلام والماء، فلمعت عيناه بوميض عزم لا يقهر، ومضى بخطوات راكضة خفيفة وكأنه الفهد يركض بخفة وسرعة، حتى إذا ما وصلا إلى سياج اليخت، وقفا وقال لندى بصوت حازم:
- أستعدي يا ندايا.. هننط (نقفز)!!!!!!!!!..
ندى بذهول وهي تقيس بعينيها المسافة من عندها إلى الأسفل حيث أمواج البحر السوداء بفعل الليل البهيم الذي يطغى بلونه على المكان من حولهما:
- هننط!!!!.. بس أنا مبعرفش أعوم!!!
قبض يوسف على يدها جيدا وقال وهو يجذبها لتصعد فوق سور اليخت:
- ماتخافيش أنا معاكي، وبعدين أحنا قريبين من الشط، المياه مش عميقة!!!
ندى وهي تشعر بالرعب من فكرة القفز بين أحضان ذلك البحر المخيف بلونه الاسود القاتم:
- لا يا يوسف، مش هقدر أنا...
وقف بجانبها بعد أن أجبرها على الصعود الى سور اليخت وقال بعزم وهو يقبض على يدها بقوة يرفعها على امتداد ناظريها:
- ايدي في ايدك... عمري ما هسيبها.. ما تخافيش...
أصوات تقترب وأرجل تركض هنا وهناك وكلمة شقت سمعها تعلن عن وجود حريق باليخت جعل يوسف يقبض بقوة على يدها ويلقي بنفسه وهو يسحبها معه الى الاسفل بكل قوته هاتفا:
- نطِّي!!!!!!!!!!!!!(اقفزي)...
ليسقطا هما الاثنان بين أحضان بحر أسود مخيف، وكادت ندى تفلت يدها من يد يوسف والذي تشبث بها بكل قواه، ليصعد إلى سطح الماء محاولا التقاط أنفاسه، وهو يدفع بها إلى الاعلى كي تستطيع التقاط أنفاسها هي الاخرة مربتا على وجهها بيده بينما يقطر الماء من فوق وجهه إلى وجهها الغارق بالمياه بدوره، وكان يناديها باسمها، لتفتح عينيها تطالعه فابتسم وهو يحتضنها بقوة، ثم أحاط كتفيها بذراعه بينما بذراعه الآخر يشق عباب المياه وهو يحثها على التماسك:
- استحملي شوية يا ندايا...
لم تفهم معنى عبارته إلا بعد ثوان وكانا قد ابتعدا مسافة عن اليخت إذ سمعت صوت دوي رهيب، لتلتفت بعدها الى الخلف فتشهق في ذهول فأمامها كان اليخت قد انفجر بدوي هائل وتتطاير الى شظايا في الهواء فيما اندلعت ألسنة النيران عاليا، فهتف بها يوسف:
- يا للا يا ندى مافيش وقت....
ولدهشتها الشديدة وجدت يوسف وقد وصل بها الى قارب خشبي لتمتد لهما يد رجولية، فنظرت ليوسف بتساؤل فأكتفى بالايماءة في صمت ودفعها أمامه لتصعد إلى الاعلى تبعها هو ليفسح لهما الرجل الذي لم تستطع تبين ملامحه جيدا وأن كان وهج ألسنة النيران قد أشعل السماء المظلمة ولكنها لم تتمعن جيدا في وجهه، قال الرجل بلكنة خمّنت أنها شامية:
- ألف حمدلله ع سلامة... وجت صْغيِر وبنكون وصلنا بإذن الله..
ثم أشار الرجل بيده الى يوسف الى قعر المركب الخشبي، فدفع ندى لتجلس وجلس بدوره فيما أسرع الرجل بالتجديف ليبتعد عن مرمى النيران إذ سرعان ما سيمتلأ المكان بقوات الشرطة والاطفاء والجنود..
*********************************
وقفت تتلفت حولها في ذلك الكوخ الخشبي البسيط، وهي تدلك ذراعيها تشعر بالبرودة وهي تتسرب اليها من ثيابها المبتلة، في حين سمعت ذلك الرجل الطيب وهو يحدث تلك السيدة البشوش التي ما أن رأتهما حتى شهقت هلعا من منظرهما:
- أم غانم الله يرضى عليكي، شوفي أواعي لها المسكينة بدل ما تُمرض...
أم غانم تلك المرأة الأربعينية العمر بجسدها الممتلئ ووجهها الابيض الوضّاء الذي يبعث الراحة في النفوس:
- ويلي على آمتي... ربنا ينتئم منهم يا حق.. تعي حبيبتي تعي...
وأشارت لها كي تتبعها فنظرت ندى في يوسف بتساؤل وقلق ليهز يوسف رأسه لها بالموافقة فسارت لتلك السيدة الطيبة التي سارت هبها واختفت خلف باب خشبي متهالك، فنظر أبو غانم - وهو اسم الرجل – الى يوسف وقال:
- وأنت خيّ يوسف.. بتلحأ (تلحق) ماراتك لتغير أواعيك.. عبّال أم غانم تجهز العشا وبعدين بنشوف شو اللي راح نعمله...
وأشار له الى الغرفة حيث اختفت ندى مع أم غانم، فتح يوسف فمه بغير وعي ليفسر له حقيقة علاقته بندى وأنهما ليسا زوجين بالمعنى المفهوم، ولكن سرعان ما غيّر رأيه وآثر عدم البوح، فمن الاسلم له ولندى أن لا يبتعد عنها ولو بمقدار إنش واحد، ولو علم أبو غانم بحقيقة علاقته بندى سيصر على الفصل بينهما، وقد يرتاب بالامر، فما وصل اليه أنه بصدد مساعدة زوجته والتي خطفتها عصابة الاتجار بالرقيق الابيض وجلبها من مصر الى اسرائيل حيث ستباع هناك وذلك لوقوفه هو ضد ضلع من أضلع المافيا، فكان خطف زوجته هو عقابهم له!..
انتظر يوسف حتى خرجت أم غانم لتبتسم له بوجهها الممتلئ ونظراتها الحنون، ثم دلف الى الداخل، ليجد أن ندى قد بدلت ثيابها بمساعدة أم غانم، وقفت تطالع نفسها غير واعية لوجوده حولها، فيما ارتسمت على وجهه ابتسامة صغيرة وهو يراها وقد غرقت في ثوب أم غانم، حيث بدت فيه كطفلة ترتدي ثياب جدتها، خاصة بذلك القميص الابيض الذي ينسدل على قامتها حتى الكاحل، ولحسن حظها أن أم غانم أقصر منها، فلم يكن القميص بالطويل جدا، ولكنه على صعيد آخر واسع جدا، ولدهشته فهو جعلها أكثر جمالا جدا.. جدا.. جدا!!!!
همس يقول وهو يتجه اليها:
- ندى...
رفعت عينيها تطالعه لتراه يسير ناحيتها حتى وقف أمامها تماما، ثم رفع يده يتتبع بأنامله خطوط وجهها، وكأنه يتأكد من وجودها حقيقة أمامه، قال بعدها في حين وقفت هي مسمرة وكأن عينيه يبثانها شعاعا يثبتها مكانها:
- وحشتيني!!!
سكتت تطالعه بعينين تغشاهما طبقة كثيفة من الدموع وقد بدأت الأحداث التي جابهتها من لحظة اختطافها تتكالب عليها، فارتعشت شفتها السفلى وهربت دمعة تتبعها بابهامه ليمسحها ولكن تلتها دمعات كثيرة وقد انهار سد مقاومتها لدموعها لتنخرط في بكاء حار، فأسرع يوسف باحتوائها بين أحضانه وهو يهمس لها ينفث فيها بعضا من قوته:
- بحق كل دمعة نزلت من عينيكي.. لا أدفع رحمي الكلب التمن غالي، وغالي أوي يا ندايا!!!!
ندى بتلعثم من بين شهقات بكائها:
- مش.. ممكـ... ممكن تتصور حا.. حالتي كان شكلها إيه، افتكرت أني.. خـ.. خلاص مش هشوفك ولا هشوف بابا وماما تاني!!!
يوسف مربتا على شعرها:
- هشش.. بس حبيبتي، أنا هنا أهو، والحمد لله كلها فترة بسيطة وهنرجع مصر تاني...
ندى وهي تتشبث به بقوة تقبض على خلفية قميصه الاسود المبلل:
- اوعدني يا يوسف.. اوعدني أنك ما تسيبنيش!!
هتف يوسف بلوعة وهو يشدد من احتضانه لها:
- حد يقدر يسيب روحه؟.. ما تتصوريش حالتي اليومين اللي فاتوا كان شكلها إيه، كنت هتجنن يا ندى... مش ممكن أسيبك أبدا مش ممكن!!..
ليتبع عبارته ممهرا وعده لها بقبلة محمومة يتشرّب فيها أنفاسها، وكأنه يريد التصديق أنها هنا.. بين يديه، وليست حلما من الاحلام التي كانت تراوده طوال فترة غيابها يصحو بعدها على كابوس اختفائها!!!!...
ابتعد عنها مستندا بجبهته الى جبينها مفسحا لها المجال لتتنفس الهواء بينما هو لم يكن بحاجة إليه فأنفاسها تكفيه كي تكون هوائه الذي يستشنقه!!...
حالما انتبهت الى وجودها بين ذراعيه، ابتعدت بتردد وهي تقول بتلعثم:
- هـ.. هتبرد، هدومك مليانه ماية!!!
سمح لها بالابتعاد عنه أجاب بابتسامة صغيرة:
- ما تقلقيش عليا حبيبتي، عموما أنا هغيّر حالا..
ثم قبلها فوق جبينها، قبل أن ينسحب ليتناول منامة رجالية كانت فوق الفراش البسيط الذي يتوسط الغرفة، ثم نظر اليها قائلا:
- ندايا أنا مش عاوز أخضّك.. لكن.. أبو غانم ومراته عارفين اننا متجوزين..
ندى بتساؤل:
- يعني إيه؟..
يوسف ببساطة:
- يعني مش هينفع أطلع أغير هدومي في الحمام مثلا!!
ندى بقلق وريبة:
- يعني إيه؟..
يوسف بتلقائية وقد بدأ بالفعل في نزع قميصه والذي كانت معظم أزراره قد انفكت سابقا:
- يعني هغيّر هنا...
ندى ببلاهة:
- هنا فين؟..
يوسف وهو يخلع قميصه لتظهر عضلات صدره القوية:
- هنا.. في الاودة!!!
شهقت ندى بخجل واستدارت ما أن خلع قميصه أمامها، وما هي إلا ثوان حتى سمعته يناديها لتلتفت اليه وهو يقول:
- خلاص... أمان يا ندايا!!!
استدارت ترمقه بنظرات عاتبة قطعها صوت طرقات هادئة على الباب، ليتجه يوسف ويفتحه فطالعه وجه أم غانم وهي تمسك بصينية رصّـت عليها صحون الطعام:
- بلا ما تآخزني سيّد يوسف... اعملت لكم شي أكلة بسيطة، أكيد أنكو جوعانين..
أسرع يوسف يتناول من يدها الصينية وهو يقول:
- تعبت نفسك يا أم غانم..
ثم وضعها على طاولة خشبية صغيرة بالزاوية قبل أن يسألها:
- أومال فين أبو غانم؟.. كنت عاوزه..
أم غانم بنفس عميق:
- راح مع غانم الله يصلحه بمشوار، وقالي أخبرك أنه الصباح بإذن الله بتشوفوا شو بدكون تعملوا.. وهلأ تصبحوا على خير.. وإذا بتريدوا أي شيء اعيوني الكم، بيكفي تنادي أم غانم بتلاقيني ع طول..
ندى بابتسامة:
- تسلمي يا أم غانم.. تعبانكي معنا..
أم غانم بطيبة:
- ولو يا بنتي... أنت متل بنتي هُيام...
يوسف شاكرا:
- شكرا يا أم غانم..
انصرفت أم غانم، وأغلقت الباب خلفها وهي تتمنى لهما ليلة طيبة، ليشير يوسف الى الصينية الموضوعه فوق الطاولة قائلا:
- مش جعانه؟..
ندى بهزة رفض بسيطة:
- تعبانة.. عاوزة أنام وبس!!
يوسف ببساطة وهو يحرك كتفيه:
- تمام... ياللا ننام، عشان بكرة قودامنا يوم طويل!!
لتنتبه ندى الى شيء غاب عن بالها، فهي ويوسف سيبيتان ليلتهما في غرفة واحدة!!!...
----------------------------
نقلت نظراتها بينه وبين أركان الغرفة بأثاثها البسيط، المكون من سرير خشبي صغير يتوسط الغرفة، وبساط قديم ولكنه لا يزال بحالة جيدة يفترش الأرض الصلبة، ثم جالت بنظراتها فوق الحائط حيث مرآة قد تَكسّر طرفها معلقة فوق مسمار حديدي، بينما تقبع في الزاوية خزانة خشبية قديمة، لتعود نظراتها ثانية وتحط فوق الفراش الفردي، حيث تكسوه ملاءة قد حلكت ألوانها، ولكن تفوح منها رائحة الصابون، وغطاء كان هو أثمن ما في الغرفة، بوروده المشغولة يدويًّا وألوانه المبهجة، من الواضح أن يدي أم غانم هي من خاطته، ثم وسادة كبيرة ذات غطاء من نفس لون أغطية السرير...
عادت نظراتها إليه وهمست بحدة من بين أسنانها:
- اتصرف يا يوسف، أنا مش هنام معاك في أودة واحدة!!!!!!!!!!!...
يوسف والذي قد أخذ منه التعب كل مأخذ خاصة بعد مغامرة الليلة والتي كان على وشك أن يخسرها فيها أو يخسر عمره وهو يتجه للفراش:
- بقولك إيه يا ندى.. الراجل كتر ألف خيره استضفنا عنده، ليلة تفوت بالطول ولا بالعرض....
ثم ارتمى فوق الفراش زافرا بتعب لتقترب هي منه وتقف بجانب السرير وتهتف بحنق وصوت منخفض:
- يوسف ما تستعبطش، انت كنت ممكن تقوله اننا مينفعش ننام في أودة واحدة، إيه اللي خلّاك ما تصارحوش بالحقيقة؟.. ومراته كمان......
قاطعها يوسف بالقبض على معصمها ورفع نفسه قليلا ليقول بحزم:
- الراجل عارف اننا متجوزين، وطبيعي قال لمراته، دا غير اننا فعلا متجوزين، يبقى إيه اللي قلّ نفعه (لا يصلح)؟... وبعدين ما تقلقيش أوي كدا.... - وترك معصمها وعاد ليرقد ثانية مردفا ببساطة زادت من غيظها - أنا تعبان جدا وجعان نوم، فما تخافيش مش هعمل حاجة، إلا اذا كنت انتي خايفة من نفسك بقه، وقتها فيه كلام تاني!!!
شهقت بقوة وهتفت تتلعثم بينما وجهها قد تخضب بدماء الخجل:
- انت بتـ.. بتقول إيه؟.. انت اتجننت؟!!!!
يوسف وهو يغطي عينيه بذراعه:
- لا ما اتجننتش، لكن عاوز أنام وبكرة أن شاء الله قودامنا يوم طويل، فلازم ننام كويس... بطلي رغي كتير بقه وتعالي نامي..
ندى بنفي متردد:
- لا.. نام أنت...
يوسف وهو بالفعل قد نال منه التعب وبشدة:
- براحتك...
كانت تحشر نفسها بصعوبة فوق الاريكة الخشبية، وما أن تبدأ جفونها بالانغلاق حتى يخيل لها أنها تسمع صوت صافرة فتنتفض في رقدتها، كما أن عظامها تئن فنومتها ليست بالمريحة اطلاقا!!!
لاحت منها نظرة الى يوسف الغاط في نوم عميق، لتجد أن هناك فسحة لها فوق الفراش، فتغلب رغبتها الشديدة في النوم خجلها، لتنهض متجهة الى الفراش حيث دست نفسها بخفة، مولية ظهرها له، تتمسك بشدة بطرف الفراش كي لا تقع حابسة أنفاسها كي لا يصحو ولن تسلم ساعتها من لسانه السليط وسخريته، فهي لن تنسى تشبثها به منذ قليل، ولكنه لم يأت على ذكر ذلك الامر الذي أراحها قليلا، لتغمض عينيها متنفسة بعمق وما هي إلا ثوان إلا وكانت قد سلمت نفسه للكرى يسحبها عميقا لنوم لم تنله منذ اختطافها...
استيقظت تشعر بدفء غريب يسري اليها، وشيئا صلبا يطوقها، لتنتبه نافضة عنها أذيال النوم فتفاجأ بذراع يوسف تحوطها وأنفاسه تداعب وجهها بهوائها الساخن، وقبل أن يتثنى لها الابتعاد كان يوسف قد فتح عينيه ليطالعها لثوان بغير كلام قال بعدها بصوت مبحوح من أثر النوم:
- صباح الخير..
تمتمت بـ "صباح النور".. بخفوت ليقول بابتسامة:
- أحلى صباح مر عليا في حياتي..
لم تكد تفتح فمها للنطق حتى تعالت الطرقات فوق الباب، ليقطب يوسف وينهض متجها للباب ليفتح فسمعت صوت أبو غانم يقول بجدية شديدة:
- صباح الخير خيي يوسف، لا تواخزني، بس فيه تفتيش من اولاد الكلب هادول، شكله اللي حصل أمس جننهم، وبيفتشوا عن أغراب هون، ما تركوا مكان إلا جابوا عاليه واطيه الله ياخدهم، والحين صار لازم تحضروا حالكون.. بنروح حالا قبل لا ييجونا... ناطركون أنا!!!...
وانصرف ليغلق يوسف الباب خلفه ثم التفت الى ندى التي تقف خلفه وقد سمعت حديث أبو غانم لتهتف بتساؤل وقد شحب وجهها:
- وبعدين يا يوسف؟.. هنعمل إيه؟..
يوسف بالتماعة عزم في عينيه:
- ما تخافيش يا ندى، مش هيقدروا يوصلوا لنا، انا مجهز كل حاجة...
ولكن لم تكن الا ثوان سمع بعدها صوت ضربات قوية تكاد تخلع باب الكوخ الخشبي من قوتها، لتشهق ندى هلعا وتكتم فمها بيديها بينما تعالى صوت أبو غانم مستفهما ثم أصوات جلبة عالية، ليعلما أنها ما هي إلا ثوان معدودة ويسقطان في قبضة... العدو!!
------------------------
ركلة قوية أسقطت باب الغرفة تبعه انتشار لجنود لا عدد لها قاموا بتفتيش كل شبر بالغرفة، ليهتف بعدها قائدهم آمرا جنوده بالانصراف للتوجه الى الكوخ المجاور بعد أن قاموا بتحطيم كل شيء وأي شيء يقع تحت أيديهم!!!...
وقف يوسف يلهث، وهو يستند بظهره الى حائط الكوخ الخارجي حيث قفز من نافذة الغرفة هو وندى وكان من حسن حظّه أن لم يره ذلك الجندي الذي أخرج رأسه من النافذة يتلفت يسارا ويمينا بينما كان هو وندى ملتصقين بالحائط الخلفي، حتى اذا ما سمع صوت أرجلهم وهي تنصرف، سارع هو بالخروج من مخبئه قابضا على يدها بينما أشار له أبو غانم الذي كان في تلك اللحظة قد خرج يلتف حول الكوخ بحثا عنهما، ليسارع اليهما قائلا:
- ياللا خيّ يوسف، ايجات الاشارة، الجماعة ناطرينكون بالبر التاني، بوصلكون بالمركب..
ثم سكت لينتبه لوقوف ندى والتي لا تزال ترتدي ثوب نوم زوجته، بينما قد غطى يوسف شعرها بقميصه الذي جفّ، فاعتذر قائلا وهو يدير رأسه جانبا:
- بلا ما تآخزيني بنتي... لكن هم هيك بيدخلوا كيف التيران الهايجة..
يوسف وكان قد تناول سرواله في يده قبيل قفزه هو وندى من النافذة ليسارع بارتدائه بعدها، فيما غطى شعر ندى بقميصه بينما لم يسأل عن ثيابها التي خلعتها بالأمس، فما أن اطمئن لوجودهما بعيدا عن الخطر ليلة أمس الا وكان قد انتبه لما ترتدي لينتفض عرقه غضبا، فيما أجابت سؤاله التي وشت به عيناه أثناء جلوسهما بقارب أبو غانم تشرح له أن هذه الملابس قد أُمرت بارتدائها فمن الواضح أنها "لزوم الشغل"!!!... فهي سترفع من قيمة سعرها الشرائي!!!
لينهرها يوسف زاجرا فتصمت مبتلعة باقي كلمتها الساخرة في حين أردف هو بغل:
- أحسن حاجة أنه لونها أسود، عشان ما يقدروش يشوفونا..
ندى بفهم:
- عشان كدا لابس أسود في أسود زي وطواط الليل؟!!
يوسف من بين أسنانه المطبقة:
- تصدقي انك مستفزة؟.. دا وقت تتريقي فيه؟..
ندى ببساطة:
- ودا وقت تِغِير فيه؟!!!!
يوسف بعينين تشتعلان لهيبا حارقا:
- أنا بغِير في أي وقت وفي كل وقت... عامة نوصل الاول بالسلامة وأنا هحرق هدومك دي بنفسي!!..
وبالفعل حينما ذهبت برفقة أم غانم لتبديل ثيابها وما أن لحق بها مبصرا أم غانم وقد تركتها بداخل الغرفة مال عليها هامسا لها وهنو يراها تحمل ثياب ندى لتقوم بتجفيفها:
- مالوش لزوم يا أم غانم تغسليها، لأنها مش هتلبسهم تاني...
مقررا بداخله أنه لو اضطر لاقتراض عباءة من عباءات أم غانم أو حتى شرائها سيفعلها ولكن ندى لن ترتدي هذه الثياب الفاضحة ثانية!!.
وها هي ندى تقف بثوب نوم أم غانم والذي يلتف حولها كالمنطاد فيما تغطي شعرا بقميص يوسف، ليجيب يوسف اعتذار أبو غانم:
- ما تشغلش بالك يا أبو غانم، الهدوم اللي هي لابساها محترمة 100 مرة عن اللي فاتت، عموما احنا هنتصرف أول ما نوصل ان شاء الله..
فأومأ أبو غانم بالموافقة ليتقدمهما ناحية مركبه الخشبي، الذي كان يضعه خلف الكوخ، ليساعد يوسف ندى على الصعود اليه وتبعها هو، فطلب أبو غانم من يوسف أن يختبأ هو وندى في قعر المركب حتى يصلوا الى مرادهم بأمان، وبالفعل فقد أوقفهم خفر السواحل واللذين قد تبين من تبادلهم الحديث مع أبو غانم بأنهم يعرفونه جيدا، ليتركوه يمر بسلام، حتى إذا ما وقف في نقطة معينة بالبحر، قال:
- أمان خيّ يوسف..
أزاح يوسف الغطاء السميك الذي كان يخفيه وندى عن الاعين، ونهض معينا ندى التي كانت تلتف حول نفسها كالجنين للقيام بدورها، ليشير أبو غانم ليوسف باشارة معينة، هز يوسف برأسه على إثرها موافقا ليلتفت الى ندى ينظر اليها جيدا وهو يقول:
- ندى واثقة فيا؟..
قطبت في ريبة وأجابت:
- آكيد بس ليه؟..
يوسف وهو يمد يده ليبعد قميصه والذي كانت قد وضعته على شعرها بعد قيامها من مخبئها جانبا وهي في دهشة منه لتقول بحيرة:
- أنت بتعمل إيه يا يوسف؟..
قبض يوسف على يدها واتجه بها الى حافة المركب ثم أوقفها قابضا على يدها وهو يجيبها بجدية:
- ندى... احنا هنكمل من هنا!!!!
ندى بحيرة:
- نكمل إيه؟.. انا مش فاهمه....
لم يسعها الوقت لتكمل سؤالها إذ سرعان ما وجدت نفسها وهي محمولة على كتفه ويقفز بها إلى البحر ليحيطها بين ذراعيه في حين شهقت هي بقوة وهي تبعد خصلاتها التي التصقت بوجهها بعيدا عنها، قال يوسف وهو يحملها بين ذراعيه تماما كالأب الذي يحمل طفلته الصغيرة داخل البحر:
- امسكي فيا كويس، ما تخافيش، قربنا نوصل..
لم تستطع ندى النطق بأي كلمة، بل أنها خيل إليها أنها كمن يقوم ببطولة فيلما مليئا بالمغامرات، فما حدث لها في هذه الايام تماما كأفلام المغامرات التي تشاهدها على التلفاز!!
تتابعت الاحداث بعدها فبين سباحتهما لمسافة لا بأس بها ثم التقائهما بقارب كان من الواضح أنه من تحدث عنه يوسف أن نجاتهما قد أصبحت قريبة، لتمتد أيدي سمراء تساعدهما في الصعود على متن القارب والذي ما أن وقعت عينيها على أصحابه حتى تنفست الصعداء، فمن وجوههم أدركت أنهم مصريين، وتأكدت من ذلك ما أن تحدثوا اليهما لطمأنتهما أن كل شيء على ما يرام، ثم مخر القارب عباب الماء ووصل بهما الى الشاطئ حيث "طابا".. في وقت قصير، وهناك كان من ينتظرهما لمساعدتهما في الصعود الى سيارة رباعية الدفع، سارت بهما حتى وصلت الى بناية صغيرة، ترجل يوسف وندى والتي كانت قد بلغ بها التعب مداه، ولكنه يوسف من كان يقف بجوارها يبثها دعمه لها، ترجل أمامهما إحدى الرجلين اللذين رافقوهما ولم يتبادلا مع يوسف سوى بضع كلمات يتحمدان لهما بالسلامة، تقدمهما الرجل، داخلا البناية، حتى وقف أما شقة سكنية وضغط زر الجرس ليفتح بعدها الباب رجل آخر شاهدته ندى بلا تعبير في حين أشرقت أسارير يوسف، والذي ما أن دلفا الى الداخل وقد انصرف الرجل الذي قادهما الى هذا المكان حتى سارع من فتح لهما الباب بالقبض على يده والتربيت بيده الاخرى على ذراعه وهو يقول بابتسامة عريضة:
- حمد لله على السلامة يا بطل..
ثم نظر الى ندى التي كانت تنقل نظراتها بينه وبين يوسف بحيرة وتابع:
- حمد لله على السلامة يا مدام...
حانت من يوسف نظرة الى ندى فقال وهو يشير الى الرجل أمامها:
- حضرة الظابط شوقي... اللي له الفضل بعد ربنا اني أقدر أنقذك..
شوقي بابتسامة:
- حمد لله على سلامتكم الاول، وتاني حاجة لو ما كنتش انت ذكي وعندك سرعة بديهة ما كناش هنقدر نوصل للي احنا وصلنا له، دا غير أنك قدرت تخلينا نوصل لأكبر شبكة للمافيا في مصر!!
يوسف بلهفة:
- قدرتوا تمسكوهم؟.. رحمي اعترف معقولة؟..
شوقي بغموض:
- الاول انت والمدام ترتاحوا شوية، وبعدين هنتكلم في التفاصيل كلها..
انتبه يوسف لوقوف ندى بثوب أم غانم والذي قارب أن يجف من البلل فوافق قائلا:
- تمام....
أشار شوقي الى غرفة جانبية وما أن قبض يوسف على مرفق ندى يوجهها ناحية الغرفة، وفتح لها الباب ثم وقف على عتبته قائلا:
- غيري هدومك يا ندى، هتلاقي عندك في الدولاب – وأشار الى خزانة في الحائط – اللي انت عاوزاه.. ولما تخلصي نادي عليا، عندك كمان حمام أهو، وأشار الى باب جانبي، تقدري تستخدميه، ثم انصرف مغلقا الباب خلفه..
بعد قليل وكانت ندى قد اغتسلت وأبدلت ثيابها بأخرى نظيفة والتي ولدهشتها كانت على قياسها تماما، والتي كانت عبارة عن بنطال من الجينز الأزرق الداكن اللون، وبلوزة من الكتان صفراء اللون، تصل الى منتصف الفخذين، وغطت شعرها بوشاح أصفر موشي بخيوط زرقاء، منتعلة حذاءا رياضيا في قدميها، لتدلف خارج الغرفة فشاهدت يوسف وهو يجلس الى الاريكة العريضة وكان قد أبدل ثيابه الى أخرى نظيفة عبارة عن بنطالا من الجينز أسود اللون وتي شيرت قطني كحلي اللون يلتصق بجذعه العلوي مبرزا عضلات ساعديه بوضوح..
نهض يوسف ما أن شاهدها مبتسما وأشر لها بالتقدم، فاتجهت اليه ثم جلست حيث أشار بجانبه، لتكون في مواجهة شوقي الضابط، والذي تابع حديثه الذي قطعته بحضورها:
- صدقني لو أقولك أنه المهمة كانت شبه مستحيلة، لكن مين كان يصدق أنه رحمي يعمل كدا؟..
يوسف باهتمام:
- بس ازاي يعترف بكل حاجة بسهولة كدا؟..
شوقي بسخرية طفيفة:
- ومين قالك أنه بسهولة؟..
ندى وقد بدأت تربط الخيوط ببعضها:
- معلهش.. مش رحمي دا اللي خطفني؟..
شوقي بهزة موافقة:
- أيوة..
ندى باستفهام:
- طيب هو إيه حكايته بالظبط؟..
شوقي وهو يشير الى يوسف بابتسامة:
- حكايته أنه وقع في طريق جوزك، وحظه الوحش أنه جو حسه الوطني عالي جدا، مش زي ناس كتير تقول لك وأنا مالي، وتخاف وتكشّ، لكن جو حط إيده في ايدينا من لحظة ما وقع في ايده معلومات خطيرة عنه، ودا كان بداية الخيط اللي وصّلنا ليه..
ثم سرد على مسامعها دور يوسف في الكشف عن أخطر عصابة للتجارة في البشر تتبع المافيا، ويترأسها رحمي الشرقاوي في منطقة الشرق الاوسط كذراع للمافيا في هذه المنطقة، قال شوقي شارحا كيف استطاع يوسف انقاذها:
- المطلوب كنتي انتي اللي تسافري لوحدك هناك، طبعا كان فيه غيرك كتير في طريقهم لاسرائيل ومن هناك بيروحوا أوروبا الشرقية يتباعوا كرقيق أبيض، أنما أنتي ولأن رحمي السادي كان متغاظ جدا من جو... صمم أنه يبيعك بنفسه لتاجر يهودي معروف عندهم، وعشان كدا اليخت ما كانش عليه غيرك، كان المطلوب أنك ما تتقابليش مع غيرك من البنات اللي هيواجهوا نفس مصيرك، وفعلا تمت البيعة وكان ناقص التسليم، جو استخبى في غرفة المحركات، وبحريق مفتعل صفارات الانذار انطلقت لكن جو عمل حاجة كمان، قنبلة في غرفة المحركات ما خدوش بالهم منها وهما بيحاولوا يسيطروا على الحريقة، هتسأليني عرفنا منين أنتي فين هقولك أنه في الوقت اللي كان جو بيجمع أدلة عن رحمي احنا كمان جالنا اخبارية أنه فيه صفقة كبيرة لبيع الرقيق الابيض هتتم للأسف عن طريق مصر، وخلال التحريات اسم رحمي اتكرر كتير أوي، وعرفنا حاجات كان ناقصها الدليل الملموس، من ضمن المعلومات أنه البنات اللي هيبيعوهم هيتهربوا لأوروبا الشرقية عن طريق اسرائيل ومن هنا أحنا أجزمنا أنه أكيد أنتي هتكوني من ضمن البنات اللي هيسافروا، وراقبنا كل الاماكن اللي بيتردد عليها رحمي هو ودراعه اليمين، ولاحظنا أنه سافر طابا أكتر من مرة في يومين اتنين بس، ولما بحثنا لاقينا أنه عنده يخت هناك وبيتجهز للسفر، فكان مش صعب الجمع 1 + 1!!!!
ندى بذهول:
- معقول اللي أنا بسمعه دا؟.. اللي حضرتك بتقوله دا بيحصل هنا؟.. في مصر!!
شوقي يهز رأسه أسفا:
- للأسف آه، فيه ناس باعت نفسها للشيطان زي رحمي...
ندى بتساؤل:
- وكل اللي حصل بعد كدا وأبو غانم من ترتيبكم، صح؟...
شوقي بهزة مؤكدة:
- أكيد...
يوسف بتساؤل:
- أنما حضرتك لسه ما قولتليش.. رحمي اعترف على نفسه إزاي؟..
شوقي بابتسامة:
- لما اكتشف أنه بقه كارت محروق عند المافيا عمل زي شمشون وهدّ المعبد عليه وعلى أعداؤه!!!
يوسف بتقطيبة:
- إزاي؟..
شوقي بشرح:
- رحمي وعلى حسب تحرياتنا أنه سفّر بنته مايسة أوروبا وبالتحديد ايطاليا، وهناك جوّزها لسليم أبو عمار، لبناني، دا حصل في الاسبوعين اللي اختفى فيهم هو وبنته وأنت وقتها كنت بتدور على أي خيط يوصلك ليه!!
اكتفى يوسف بايماءة موافقة في حين تابع شوقي:
- رحمي اعتقد أنه بكدا خلص من مشاكل بنته، وكمان سليم كان مكسب ليه، ورجع مصر عشان يتمم الصفقة اللي كان جاي عشانها أساسا، لكن اتصال صغير من الراجل بتاعه هناك عرف منه أنه المافيا عرفت بأنه فيه حد بيدور وراه، وأنه عندنا هنا بقه تحت الميكروسكوب، وعندهم دا مالوش غير معنى واحد أنه ابتدا منحنى وجوده بالنزول، وأنه هيتم التخلص منه قريب، وحاجة تانية حصلت خليته يعمل الخطوة اللي أنا شخصيا ما كنتش مصدقها!!
ندى بتساؤل:
- خطوة إيه دي؟..
شوقي ببطء:
- سليم أبو عمار اللي جوزه مايسة بنته.. هو اللي هيستلم بداله منطقة الشرق الاوسط، وأول عملية كلفته بيها المافيا عشان تضمن ولاؤه أنه يدي درس رحمي اللي غروره صور له أنه مش ممكن يقع، فبالتالي كانت التمثيلية اللي عملها عليه وقدر يقنعه أنه يجوزه بنته في ظرف أيام، وبعد رجوع رحمي مصر، كان أبو عمار بيبيع مراته لواحد من أشهر القوادين هناك، لكن البنت قدرت بطريقة أو بأخرى أنها تهرب منه لكن للأسف القدر كان ليها بالمرصاد، وتم تصفيتها بمعرفتهم، لأنها أصبحت كارت محروق تماما زي رحمي، اللي أول ما الخبر جاله عن طريقه رجله اللي هناك، اكتشف أنه وقت صغير أوي وهيصفوه هو كمان، فجمع كل المعلومات اللي تتعلق بالشبكة في مصر، وبعتهالي بطريقة غريبة جدا!!!
وسرد عليهم كيف أنه قد فوجئ بمن يدق باب منزله في الصباح الباكر وما أن فتح الباب حتى وجد حقيبة سوداء صغيرة فتحها ليجد فيها شريحة اليكترونية ما أن وضعها في حاسوبه الشخصي حتى ظهر له ما تحمله من معلومات غاية في الخطورة!!
يوسف بتساؤل:
- ورحمي فين دلوقتي؟..
شوقي بسخرية:
- مش لاقيينه طبعا، اكيد مرتب نفسه أنه يهرب قبل ما يتمسك لكن..
قاطعه صوت رنين هاتفه المحمول ليتلقى المكالمة بصوت هادئ لم يلبث أن ارتفع وهو يهتف:
- لاقيتوه!!.. طيب تمام... إيه؟... – هتف بذهول – أنت بتقول إيه؟..
لينهي المكالمة وسط ذهول ويوسف وتبادلهما النظرات الحائرة ليجيب شوقي على تساؤلاتهما الصامتة:
- رحمي.. انتحر!!!!!!!
شهقت ندى بغير تصديق في حين هتف يوسف بدهشة:
- انتحر؟!!!!
شوقي:
- لاقوا ضارب نفسه بالنار، وورقة كاتبها بيقول فيها أنه مش هيخليهم يتمكنوا منه، وأنه هيعملها بإيده هو، واضح أنهم حاصروه جامد، ومع شخصية مغرورة والأنا عنده عالية أوي، فبالطبيعي أنه يتصرف كدا!!..
يوسف بتكشيرة:
- عاش خسيس وندل... ومات كافر!!!!!!!!!!
وأسدل الستار على قضية رحمي الشرقاوي، بعد أن تم القبض على عناصر العصابة الدولية بمصر، واندثر أي ذكر لرحمي الشرقاوي وكأنه لم يكن... مخلفا وراؤه سيرة عطنة من أعمال أقل ما يقال عنها أنها غير آدمية وأجرامية، خسر بها دنياه وآخرته.
******************************
جلست عائلة ندى وعائلة رنا ورنا وأنور وسعادات ولؤي بل وحازم ورشا جميعا في منزل عائلة ندى، والتي لم تكف أمها عن البكاء منذ اختفاء وحيدتها، ليتصاعد رنين جرس الباب ففتحت سميرة مربيتها ليتناهى الى أسماعهم صوتا شكوا بداية أنه حقيقة حتى أبصروا صاحبته أمامهم، تبتسم ابتسامتها العريضة وبرفقتها يوسف، لتسراع ندى وتلقي بنفسها بين أحضان والدتها التي شهقت عاليا ثم انخرطت في نحيب عال، وهي تحتضنها بقوة، مقبلة كل إنش في وجهها ويديها، ليمد عز يده ينتشلها من بين أحضان كريمة هاتفا ودموعه تغلبه:
- سيبيهالي شوية بقه...
ليحتويها حضن دافئ حنون، هو حضن الاب منبع الدفء والامان والحماية، وتوالت بعدها الاحضان والقبلات حتى إذا ما وصلت للجدة نازلي التي احتوتها بين ذراعيها مطولا ثم فاجئت الجميع بأن أشارت ليوسف هاتفة بحنق:
- أنتي... أنتي سبب في ضياع ابنتنا... كدبت على أنّا نازلي كاظيم رستم، ولازم عقاب.. أنا كنت قلت لندى تعطي فرصة ليكي... وأنا دلوقتي قول... انت لازم طلّق ابنتنا.. فالاد سيس خرسيس!!!!!!!!!!!
- يتبع -

( قارئة الفنجان  بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن