“ربما الاكتئاب هو في حقيقته نوع عميق من وضوح الإدراك.
أن تدرك أن كل شيء حولك مجرد من القيمة، مفرغ من المعنى،
ماض إلى الزوال، محتم الهلاك.
أن تدرك أن كل شخص حولك إنما أحبك أو كرهك،
أو اقترب منك أو ابتعد عنك،
لأجل مصلحة ذاته،
ومنفعة نفسه،
حتى وإن كان سبب قربه هو ابتسامتك البسيطة التي تبهج قلبه.أن تدرك أن هذا العالم أصغر وأضيق بكثير من كل أحلامك.
أن تدرك أن مصروفك الضئيل في صغرك كان يسعدك أكثر بكثير من راتبك الشهري اليوم الذي يزيد عليه بأكثر من مائة ضعف.
أن تدرك أن سذاجة طفولتك المغيبة لك عن كل شر تظل أحب إلى نفسك من كل العلوم وكل الحقائق وكل التجارب وكل الفلسفات التي وعيت عليها في كبرك.
أن تدرك أن آلام يقظتك ستطاردك في منامك،
وتعاسات منامك ستكدر عليك يقظتك، حتى لا تعود تدري أيهما شر من صاحبه.
أن تدرك أنك تمضي بأثبت الخطى وأوثقها إلى هرمك،
إلى عجزك،
إلى وهنك،
إلى وحدتك،
إلى فنائك.
أن تدرك أنك عاجز تماما عن إيقاف قطار الحياة،
بكل صخبه،
بكل ازدحامه،
بكل ضجيجه،
و لو للحظة واحدة،
تستريح فيها،
لا من شيء سوى الحياة نفسها.
أن تدرك كل ذلك هو نوع عميق جداً من وضوح الإدراك،
و هو الاكتئاب نفسه.”
.
.
.
.