Part 3

574 58 1
                                    


أجلستنا الفتاة على طاولة صغيرة للشاي ، صدقوني لا أعلم كيف خرجت الطاولة فجأة من الأرض ، كانت المقاعد صغيرة و بالكاد جلسنا بطبيعية ، الأمر صعب على دان الذي ما إن جلس بجانبي حتى أحسست بظل بحجم البرج ، آسف دان ورطتك ، أما الأمير المتملق جلس كأنه معتاد على هذا النوع من الألعاب ، بدأت بالشك حقاً إن كان فتاة ...
انتبه الأمير لنظرتي المرتابة ، فردها بتحديق مخيف ، ارتعش جسدي من الخوف و أدرت وجهي للفتاة الصغيرة ...
قدمت لي فنجان شاي فارغاً ، و قالت :" أتريد بعض السكر ؟ " و هي تضع معلقة صغيرة في اناء فارغ ، حاولت استيعاب أي شيء ، ثم قلت بتردد :" لـ لـكن " ، مدت رأسها و طار ناحيتي ، و حدقت فيَّ بغرابة ، يكاد أنفها يلاصق أنفي ، إنها قريبة جداً و تخيفني ، أطلقت صيحة ، أقسم أنها خرجت بصوت أنثوي ، ضحك دان و الأمير على هذا ، فنظرت الفتاة لهما و تجمدا من دون حراك ، انظر من خاف الآن !
أعادت رأسها لمكانه ، ثم قلت و أنا أرتجف :" أ أ أجل أريد معلقة واحدة يا أميرة ... ؟ " ، ردت :" أميرة تاليا " ، ابتسمت ، مددت يدي بصعوبة ، كنت أرتجف لدرجة أن الكوب كان يهتز فوق الصحن الذي أمسكه ، قدمت لي المعلقة و حركتها ، لعبة محاكاة لطيفة لكنها مخيفة !
نظرت لدان و ابتسمت و قالت :" كم ملعقة تريد ؟ " ، دان يبدو هادئاً جداً و ما زال يبتسم ، قال :" أريد اثنتين ، من فضلك " ، وصلت للأمير ، و قالت :" و أنت أيها الأمير ؟ " ، رفع حاجباً ، و بعد صمت تنهد و قال :" خمسة ! " ..
ضحكت الفتاة و قالت :" تذكرني بسالي ! كانت تطلب خمسة أيضاً " ، نظرنا باستغراب و قلنا مع بعض :" سالي ؟ " ، ابتسمت تاليا و قامت عن المقعد و قالت :" نعم الأميرة سالي ! كنت آتي و ألعب معها كل يوم ، كنا صديقتين مقربتين ، لكن ... " ، قلنا في نفس الوقت :" لكن ؟! " ، أخفضت رأسها و قالت بنبرة حزينة :" لكن بعد ذلك اليوم لم تعد تراني ، و لم تلعب معي بعدها ، لا أعلم لِمَ ! لذلك هربت لهذه الغابة ، و أصبحت الغابة صديقتي الجديدة و لم تتركني كما فعلت سالي " ...
كان الأمير يفكر فيما قالت ، وضع يده على ذقنه و حدد نظره و أخفض رأسه ، ثم ... رفع رأسه و قال :" هل تعلمين ما حدث ذلك اليوم بالضبط ؟! " ، أمالت تاليا رأسها للجانب و أخذت تفكر ...
أميرة ؟ خمس ملاعق ؟ لعبة شاي ؟ أكان هو الأميرة سالي ؟! أيكذب علينا ؟ لماذا أشك بالأمر أصلاً ؟ عاا !
قطع حبل أفكاري صوت تاليا عندما صرخت :" تذكرت ! " ، انتظرنا لسماع الباقي ، تابعت الكلام :" في ذلك اليوم ، كنت ألعب معها في الحديقة لعبة الاختباء ، ثم ... آه ناداني رجل غريب من خلف شجرة ، ذهبت إليه ، و عندها وجدت أنه يحمل سكين ، ثم .. لا أعلم أصبح كل شيء أسود ، و عندما عادت الرؤية كانت سالي تبكي بحرقة ، حاولت الحديث معها و لم تسمعني ! غضبت منها و صرخت فيها و لم تسمعني أيضاً لذا تركتها .." ..
عندما انتهت من قصتها وجدت نفسي أبكي ، قلت :" مسكينة !!! لقد ذبحت !!! يا الهي ! ماتت و هي صغيرة و لم تحظ بحياة لطيفة ! " ..
قال الأمير :" أنت ! لا تفتح صنابير عينيك ! كف عن البكاء كالأطفال " ، زدت من حدة بكائي ، و صرخت :" دااااان ! " ، و عانقته ، ربت دان على رأسي و ضحك ، ظللت ملتصقاً بدان حتى جفت دموعي ، ثم استدرت لتاليا و قلت :" لا عليك ! سأنفذ وعدي لليوم ! أتريدين لعبة أخرى غير الشاي ؟" ، فكرت قليلاً ثم قالت :" نعم ! أريد حصاناً ! " ، أمسكت بيديها و بدأت بالبكاء مجدداً و قلت :" سأكون لك حصان و أي حيوان آخر تريدين ، وااه " ، علق الأمير :" أتهين نفسك الآن أم ماذا ؟ " ...
جثيت على الأرض كحصان ، و قضينا النهار كله نلعب تلك اللعبة ، حل المساء ، ثم قالت تاليا :" و الآن يمكنكم الذهاب سأختفي بعد قليل ، لقد استمتعت معكم يا رفاق " ، لوحت بيدها و ابتسمت قبل أن تختفي ، مسكينة بدأت بالبكاء مجدداً ، حتى ضربني الأمير على رأسي و أشار لي لمتابعة طريقنا !

كنا نسير من دون أن نعلم وجهتنا ! رحل الحوذي و ليس معنا أي أحد يعلم الطريق ! إلا إذا كان الأمير يعلم ، و نسي الطريق ، قلت لكسر حاجز الصمت :" هل تهنا ؟ أتعلم الطريق ؟ " ، احمر وجه الأمير و قال :" كلا لم نته !!! و أنا أعلم الطريق ! لكن الظلام مقلق لنجلس حتى يحين الغد ! أو ننام هنا على الأقل ، على هذه الأرض الصلبة " ، نبرته اكتأبت في آخر كلمة ...
جلسنا كما اقترح ، ثم قال :" أتعلمان ؟ هناك أمر يزعجني ، من هي الأميرة التي تحدثت عنها الفتاة ؟ لا أتذكر أنه كان من أسلافي أميرة ! و ليس لأبي أخت ، ربما كانت من مملكة أخرى ؟ " ..
قلت :" أمتأكد أنها ليست أنت ؟ أعني ربما أخطأتك لفتاة ! " ، رماني بحجر على رأسي و قال :" يا غبي ! أولاً لو كانت صديقتي لتذكرت أن لي صديقة ماتت بطريقة بشعة ! ثانياً أنا لم أحظ بأي صديق ، قضيت حياتي في المكتبة الملكية " ..
سكت ثم تابع :" و أيضاً ملابسها للفتاة ، ليست قديمة جداً ، أعني أنها من هذه الفترة أو سابقتها ، الأمر مزعج ! " ...
عم الصمت بيننا ، ثم سمعنا صوت دان و هو يشخر ، ضحكت ثم قلت :" دعنا ننم مثله ، لدينا الغد لنفكر " ...

Blacksmithحيث تعيش القصص. اكتشف الآن