اكسترا 3 و الأخيرة

314 34 8
                                    


مرت عدة أيام منذ قطعنا الغابة ، و أخيراً اقتربنا من الوصول لمملكة ليندا ، الطريق استغرق الكثير من الوقت ، خصوصاً أننا سلكنا الطريق الآمن و هو الأطول طبعاً ...

و جميعنا كنا نشعر بالملل ، حاولت أن أظل مستيقظاً حتى أستطيع النوم ليلاً ، لكن النوم غلبني في منتصف النهار ..

جسدي منهار و التعب يعتريني ، شعرت كأنني أسقط في حفرة مظلمة لا قاع لها ، فقط ظلام دامس حولي ، و ها هو ذا نفس الحلم يعود مجدداً ، لكنني أظن أنه ليس حلماً ، بل ذكريات مدفونة عميقاً بذاكرتي ، كانت نفس الكلمات تتردد

" لكنه ابن شيطان "

" كيف نعتني به بحق الإله "

و نفس المكان ، دير صغير ، هناك بعض الراهبات تسير و بعضهن يهمس للأخرى ، لا أحد يرغب بذلك الطفل الصغير الجالس وحيداً ، تحت نافذة عليها صليب كبير ، يبكي بصوت مكتوم ، ولا يعلم من يدعو ...

سأستيقظ الآن .. يجب هذا ، تكرار الرؤية يضعف قلبي ...

ارتطم رأسي بأرض قاسية ، استيقظت على إثر الضربة ، لكن ... لم أكن بالعربة ، ألم أسقط منها ؟ بل كنت بمكان مظلم ، لا أرى أي شيء ... رفعت جسمي من على الأرض ، و حاولت تحسس طريقي ..

فجأة ، كل شيء أصبح مناراً ، بمشاعل على الجدار تمتد لطول النفق ؟ نعم أنا في نفق غريب ، تبعت اتجاه المشاعل ربما أجد المخرج ...

و في نهاية الطريق وجدت نفسي في قاعة كبيرة ، قاعة مزينة بأثاث فخم ، و ثرية كبيرة تتدلى من السقف ، و هناك أمامي مباشرة عرش ملكي ... يجلس عليه شاب يبدو بمثل عمري ، أو أصغر حتى .. يطبع ابتسامة على وجهه ، يشبهني تقريباً ، أعني بالبشرة الشاحبة و العيون المخيفة ، عيناه حمراوان .. لكن مع ذلك هو وسيم ... فجأة قام من مكانه و اتجه صوبي ، أحسست ببعض الخوف و الحرج ..

قفز الشاب و عانقني و هو يصرخ بأذني :" ابني عزيزي كيف حاااالك ! بابا اشتاق لك " ...

أتمزح معي !!!

دفعته بعيداً ، و صرخت :" ماذا ؟! من ابنك ؟ " ، نظر إلي ببراءة و ضحك :" ألم تتعرف عليّ ؟ أنا والدك " ، أعطيته نظرة " أتمازحني ؟ أنا أبدو أكبر منك و تقول أنك والدي " ، تخيلوها كما تشاؤون المهم أنها نظرة تتكلم عني !

فجأة بدأ بالبكاء المصطنع :" ابني العزيز لا يتعرف عليَّ ! كم هذا قاسٍ ، أيها اللورد العظيم ساعدني " ، ثم سكت كأنه لاحظ شيئاً ، و تابع :" لا لحظة أنا اللورد العظيم ... اووه يا أنا كيف أساعدني " و زادت حدة بكائه ...

لا أعلم ما الذي يجب علي فعله ... وضعت يدي على كتفه و قلت له :" اهدأ .. دعنا نتحدث بروية " ، فجأة تغير تعبيره لابتسامة لامعة و صفق بيديه ! و قال بمرح :" نعم ، نعم لنتحدث ! " ...

في دقائق حضر مائدة كبيرة تضم الكثير من أصناف الطعام ، لكني لم أمد يدي لأي منها .. أعني أنه معروف لكل العالم أن من يأكل طعام العالم السفلي يبقى عالقاً فيه !

و واضح أنه فهم ما أفكر به .. بدأ بالكلام :" أعلم أنني أبدو صغيراً و وسيماً جداً على أن أكون أباً ، لكن هذه ليست هيئتي الحقيقية ، فأنا شيطان عمري أكبر من البشرية ! ولا أريد أن أظهر بذلك المظهر أبداً ! أبداً ! بتاتاً ... لكن ليكن بعلمك يا بني أنني أحبك من أعماق قلبي " ، لم أفهم ما علاقة جملته الأخيرة بالموضوع ...

سألت :" لمَ أردت رؤيتي بعد كل هذه السنين ؟ " ، اتسعت عيناه ، ثم أجاب :" في الواقع ... كنت خائفاً أن أواجهك ... أعني طريقة موت أمك لم يكن شيئاً رائعاً لتبدأ به قصتنا ... و أيضاً ذلك الملك الحقير لم يسمح لي إلا هذه السنة .." توقف و بدأ بالبكاء و تابع و الدموع تملأ عينيه :" رغم كل محاولاتي لرؤيتك ! حتى أنني أرسلت دي و دام ! " ...

لم أقل أي شيء ... نظر لي و تابع بكاءه :" أنت لا تحبني صحيح ؟ أنا أعلم أنني والد سيء ، لكن عليك أن تصدقني أنني لم أتخلَ عنك أبداً ! "

ضحكت و قلت :" يبدو أنني ورثت صفاتي عن أبي " ، قال :" ماذا تقصد ؟ إنك تشبه أمك بكل شيء ، فأنا لا أستطيع توريث أي شيء غير نظير السحر " ثم تنهد ... ضحكت أكثر و قلت :" كلا أنت لا تعلم " ...

بقينا نتحدث لساعات ، و سألته عن كل ما أرغب بمعرفته عن قدرتي السحرية و عن أمي أيضاً ...

لم أنتبه للوقت ، لكنني وجدت نفسي أغط بالنوم من جديد ...

فتحت عينيَّ لأجد نفسي في العربة ، و كان الأمير و ليندا يغطان بنوم عميق ، مسندان رأسهما للآخر ... الأزواج ...

و كان دان ما يزال يقود ، ثم قال لي بصوت مرتفع :" لقد عدت ! أهلاً بعودتك "

ابتسمت و قلت بصوت خفيض :" نعم ، أهلاً بعودتي " ...

وصلنا للمملكة في الصباح ، و كانت الزينة في كل مكان ، متحضرين لزفاف ملكتهم ..

كان زفافاً رائعاً للحق ، بقيت الاحتفالات لسبعة أيام ... أرغمت على الرقص مع عدد كبير من الفتيات ، لكن لم أكره هذا ، كانت فرحتي عامرة بعد لقائي بأبي ... لا شيء سيعكر صفو مزاجي الآن ...

بقي أن أتزوج ... بحقك أيتها المؤلفة .. أنا الوحيد الغير مرتبط ... اووي لا تنهي القصة هنا !

Blacksmithحيث تعيش القصص. اكتشف الآن