Part 6

448 49 1
                                    


عم الصمت بيننا ..
كسر حاجز الصمت صوت عواء معدتي ، نظرا إلي بغرابة ، شعرت بالاحراج ، قال الأمير :" ألم تأكل قبل قليل ؟ عند ذاك الملك ؟! أين ذهب كل ذلك الطعام ! لقد أكلت أكثر من دان ؟ " ، خرج البخار من أذاني من شدة الاحراج ، ثم قلت و أنا أحاول ألا تلتقي عيوني بأي منهما :" في الواقع ، شعرت أن ما حدث كان وهماً، و صدقت معدتي الأمر لذلك لا يمكن أن ننكر أني جعت حقاً .. " ، نظراتهما ازدادت غرابة و بدأت بالتعرق ، قلت بصوت عالٍ :" أنا أكول يا جماعة ! ما بكم ! سألتقط بعض الفاكهة " ..
توجهت لشجرة الأجاص ، شعرت بالسعادة لرؤيتي ثمارها ناضجة و نضرة ، منظرها زاد جوعي ، لن أنكر أن لعابي سال ، فغرت فاهي ، و مددت يدي لأقطف أول ثمرة وقعت عليها عيناي ، فجأة ، أحسست بشيء يغز ظهري ، و جاء صوت يقول :" ارفع يديك ولا تتحرك أية حركة مفاجئة " ، نفذت ما قال و تصلبت من الخوف ..
قال مجدداً :" ألقِ الثمرة من يدك و استدر بهدوء " ، حسناً هنا لم أنفذ إلا الاستدارة البطيئة ، ثم وقعت عيناي على رجل مدرع ، فارس ؟ حارس ملكي ؟ من درعه يبدو الأمر كذلك ..
كان دان و الأمير محاصرين ، و يرفعان يديهما ، كان بيد الحراس رماح مدببة ، أية حركة خاطئة و سيقضى علينا ، حرك الحارس أمامي رأسه و قال :" ألقِ الثمرة ! " ، خطفت نظرة للثمرة و أخرى للحارس ، ثم قلت :" أرجوك دعني آكلها فأنا جائع " ، رفع الغطاء عن عينيه و قال :" ألقها ! " ، اصطعنت الحزن و الذل و قلت :" أرجوك " ، قوست شفتاي و ترطبت عيناي ، نظر إلي الحارس بنظرة لا أعرف ماهيتها ، أهي قرف أم "ما الذي يفعله هذا الأحمق ؟ "؟!
قال الأمير :" دعك من هذا المجنون ، لديه عطل في معدته يؤثر على تفكيره ، فالهواء يصل لمعدته قبل عقله " ، صرخت :" اووي ماذا تقصد ؟! " ، تحركت قليلاً للأمام بالخطأ ، و وخز الرمح صدري ، مما أدى لنزول بعض الدموع من الألم ، نظر الحارس لحالي ،و استدار بعد أن أعطاني نظرة " يا الهي إنه مجنون حقاً " ..
أشار للحراس بأن يقودونا ، كنت في مقدمة القطيع ، و كان كلما أبطأت يخزني لأتقدم ...
أخذونا لقصر ، من تجربتي مع القصر السابق لا أظن أن هذا جيد ...
ألقونا على الأرض أمام عرش الملك مباشرة ، ألقيت نظرة خاطفة عليه ، كان يبدو كصبي في السادسة عشرة ، على هذا النحو ، لا يمكنني الجزم ، أبقيت رأسي منخفضاً ، و كنت أحاول استراق بعض النظرات الأخرى ، ثم سمعت الملك يقول :" ما جاء بهم ؟ " ..
رد الحارس :" كانوا يحاولون السرقة من البستان الملكي يا سيدي ، و أنا لا أعلم كيف دخلوا إليه رغم الحراسة المشددة " ، قمت و قلت :" حراسة مشددة ؟ يا رجل دخلنا بكل سهولة من الغابة " ، تباً قلت أغبى شيء و في أغبى وقت ، ماذا عساي أن أفعل الآن ؟!
أخفضت رأسي بسرعة ، و طبقت يديّ و جلست بوضعية توسل مرة أخرى و قلت :" أرجوك اعف عنا أيها الملك ، أنا شخص غبي و يستحق الحياة قليلاً حتى أتزوج و ... " ، لم أكمل لأسمع ضحكة الملك ، قال الأمير من خلفي :" ألا يكف عن فعل هذا ؟ أهي وسيلة معيشة بالنسبة له أم ماذا ؟ " ...
بعد أن سكت الملك بصعوبة ، قال :" لقد أعجبتني ! سأعفو عنك ، لذلك ارفع رأسك " ، رفعت رأسي كما طلب ، ثم سكت و ظهرت عليه ملامح الخوف ؟ الدهشة ؟ لم أعد أعلم كيف أفسر نظرته ، ثم قال بصوت خفيض :" سالي .. ؟ " ، ضيق عينيه يحاول التركيز ..
قال الحراس أيضاً :" سالي ..؟ " ، بدأوا ينظرون باستغراب إلي ، ثم بدأوا يتهامسون :" معك حق إنه يشبه اللوحة "
ازدردت ريقي ، و نظرت حولي بخوف لا أعلم ما يجري ، كان التهامس يزداد حدة ، ضحك الحارس الذي أخذني و قال :" كنت أعلم أنه يبدو مألوفاً ، صحيح أن شكله ظريف ، لكن ربما كان الأمر مجرد صدفة " ..
ماذا ؟ ظريف ؟ نظرت بتساؤل للرجل و قلت بصوت حاد :" ماذا ؟ أنا الآن من يشبه الفتيات ؟ و ماذا عن الأمير ؟ " أشرت له بسرعة ، فرمقني بنظرة قاتلة ، قال أحدهم :" ماذا ؟ أليس فتاة ؟ " ، كاد أن يهجم عليّ الأمير و يضربني ، لولا أن دان أمسكه ، أصبح كالقطط البرية ، سيقتلني لا محالة ..
خلال محادثتنا الغبية ، دخل رجل كهل ، لكن الشيب لم يأخذ من شعره شيئاً ، كان في عينيه مسحة واضحة من الحزن ، بدا و كأن الألم ينهش في جسده حتى أصبح في هذا الضعف الذي يظهر عليه ، تقدم بترنح نحوي ، عند وصوله لي وضع يديّه على كتفي و ثبت نفسه ، نظر بوهن إليّ ، و قال :" أنت تشبهها حقاً ، ما علاقتك بها ؟ " ..
شعرت بارتياب و بعض من الخوف ، حاولت الابتعاد عنه ، لكنه أحكم قبضته على كتفيّ ، ثم صرخ بوجهي :" ما علاقتك بها ؟! " ، بقيت صامتاً ، كانت ضربات قلبي تتسارع خوفاً ، صرخ في وجهي المرة تلو الأخرى ، و كل صرخة تخرج ألماً أكثر من سابقتها ...
شعرت برطوبة علي خدي ، كانت دمعة ، نزلت بغتة ، و من دون علمي بسببها ، أخذه الرجال بعيداً عني ، و كان يقاوم ، لكن أخذ بعيداً ، بعيداً عن مدى بصري ، قطّع المشهد قلبي ، و بدأت دموعي بالانهمار كالأحمق ...
وضع الحارس – السابق ذكره – يده على كتفي ، و ربت لتهدأتي ، ثم قال :" لا عليك ، إنه رجل مفطور القلب ، إهدأ الآن و سنوضح لك كل ما يمكننا " ...

Blacksmithحيث تعيش القصص. اكتشف الآن