|18|

17.4K 365 8
                                    


لقاء وإشتياق
_____________

ما أجمل اللقاء بعد طول الفراق
إنها لحظة ترسم أحداثها في لون الربيع
لحظات إشتياق وحنين للقائها
كانت اللحظات تمر كالدهر وهم يسابقون الوقت

والدتها تبكي بفرحة وسعادة ونبضات قلبها المتسارعه تسبقها حباً وإشتياقاً
والدها ممسكاً بيد سميحة المرتعشة يدعو أن يراها الأن وليس بعد سويعات قليله
أما هو فكان متشوق بنبضات تعصف بشدة في صدره صغيرته آخيراً سيراها بعد مرور أكثر من سبع أعوام ، وصديقة سعيدة للقاء رفيقة دربها حزينة تشعر بالذنب لما حدث لها وعلي يقين أنها لن تعود كما كانت من قبل
فهي تعرفها أكثر من حالها..
مرت الساعات طويلاً علي الرغم من أنها كانت ساعات قليلة..كانت سميحة اول من ترجل من السيارة تُهرول نحو المنزل كأنها فتاة صغيرة في العشرين وليست إمرأة في العقد الخامس من العمر لحق بها ياسر ومازن أما نادين فكانت تقدم قدم وتؤخر الآخري تشعر بالخوف من القادم
في الداخل تسمر ثلاثتهم بمكانهم عند رؤيتهم هذه الفتاة التي فقدت الكثير من الوزن بعينان ربما لا تعرف لونها من كثرة الهالات السوداء المحيطة بها والوجه الشاحب والشفتين المرتجفتين
تجلس بوسط البهو ولكن ليس علي مقعد بل علي الارض كأنها تعودت عليها وأصبحت رفيقتها ضامة ركبتيها إلي صدرها تخلصت من حجابها وتركت شعرها للعنان
كانت في عالم آخر لم تراهم في البداية إلا عندما إنطلق إسمها من فم مازن المذهول كأنه يتأكد أنها هي حقا...ً
مازن:أسيل!
أجفلت عندما سمعت صوته هذا الصوت الذي لطالما إشتاقت له كان دائماً يُشعرها بالأمان نظرت له بعينين متورمتين من كثرة البكاء ولكن سميحة لم تعطي للإندهاش الفرصة للسيطرة عليها بل هرولت سريعاً إلتقطتها بين أحضانها كانت كالعصفور الجريح الذي وجد ملاذه آخيراً ظلً جسدها ينتفض بشدة بين ذراعي والدتها لا تعلم هل تبكي إشتياقاً أم فرحة هل تبكي حزناً لفراقه أم سعادة للقائهم!
كانت الدموع كالأنهار علي وجنتيها بكت وبكت حتي إنتهت الدموع ولكن دموع قلبها الدامي كانت أقوي بكثير من مجرد دموع تبلل وجنتيها أو ملابسها التي أصبحت رثة بفعل الوقت...كلما كانت سميحة تُشدد من إحتضانها كان يزداد إنتفاض جسدها الضئيل
بعد وقت ليس بالقليل إلتقطها ياسر لأحضانه ودموعه الحبيسة تعبر عن إشتياقه الشديد لطفلته المشاغبه حتي أخذها مازن لم تتحدث إلا عندما أصحبت بين يديه هو..هو من كان يسميها رفيقته..صغيرته..مشاكسته كلمة متحشرجه خرجت من بين شفتيها المتلعثمتين فقط إسمه الذي كان كفيلاً بأن يحملها بين ذراعيه ولم يتركها إلا عندما رآها هي ونادين ينظران لبعضهما البعض نظرات تحمل الكثير من المعاني
هرولتا ناحية بعضهما بسرعة البرق كان لقاء محمل بعبق المشاعر لم يكن يحتاج للكلام لأن الصمت والدموع كانا أسمي من الحديث وهل تحتاج عيون الأصدقاء إلي حديث
ظلتا علي هذا الوضع البكاء والإحتضان الشديد....كان شعور نادين بالذنب أقوي بكثير مما يتخيله ظلت تبكي وهي تحتضن أسيل وعلي لسانها كلمة واحدة ترددها بصوت يحمل كل معاني تأنيب الضمير...
نادين:أنا السبب كان لازم ياخدني أنا كان لازم يؤذيني أنا.
لم ترد بشئ فقد كانت في عالم آخر وكان لسان حالها يقول...
يا ليتني لم أراه...ياليتني لم أتركه
ياليت لم يكن بيننا لقاء...حتي ينتهي بالفراق
كانت ليلة محملة بالشجن والدموع الممتزجة بالسعادة.
في الردهة الواسعه كانت تجلس علي الأريكة بين والدها ووالدتها وفي قبالتها يجلس مازن ونادين...كانت سميحة تحتضنها بشدة بينما هي تتشبث بها كما لو كانت مازالت في سن العاشرة أخرجها من أفكارها صوت سميحة الحنون وهي تتلمس وجنتيها برفق قائلة...
سميحة:حبيبتي تعالي إطلعي أوضتك غيري الهدوم دي وخدي شاور علشان ترتاحي.
نظرت لها بتشوش كأنها لم تسمعها حقاً ولكن لم يكن يخفي علي نادين أن هناك شيئاً آخر تخفيه غير الذي حدث...عيناها تخبران بحزن دفين لذا تحركت من مكانها بإبتسامة زائفة واضعه كفيها علي ذراعي أسيل تقودها قائلة لوالدتها...
نادين:أنا هاخدها ياطنط علي ما حضرتك تريحي.
حاولت سميحة الإعتراض ولكن ياسر آشار لها بالسكوت فصمتت ولم تعلم السبب
كانت نادين تشعر بإرتجافة جسدها الغص بين ذراعيها والدموع التي تحررت من مقلتيها عندما خطت خارج الردهة في طريقها لغرفتها ولكن لم ترد أن تتحدث فقط ستتركها وهي تعلم أنها ستخبرها وستخبرها هي فقط.
عندما خطت باب الغرفة...قادتها نادين برفق إلي فراشها الذي يبدو أنها لم تتعرف عليه حقاً بل لم تتعرف علي غرفتها التي عرفتها لسنوات عديدة كانت عيناها مشوشتان ...أجفلت عندما شعرت بكفي نادين تحط علي يديها المرتعشتين نظرت لها بشرود
بينما قالت نادين بحب وحنان...
نادين:حمد الله علي سلامتك ياحبيبتي.
نظرت لها وعينيها تحملان ألف معني ولكنها ردت بكلمة واحدة...
أسيل(بتحشرج):أنا أسفه.
نظرت لها بعدم فهم ثُم قالت..
نادين:أسفه! علي إيه.
قالت بصوت حزين وهي تنظر للأرض...
أسيل:لأن لولا تهوري مكانش حصل كل دا ولا كان زمانكم تعبتم علشاني أوي كدا.
إحتضنتها نادين بشدة وكلتيهما تبكيان بشدة...
نادين:بطلي هبل الحمد لله إنك معانا إرتاحي دلوقتي وبكرا نتكلم.
قبل أن تقوم سمعت صوتها يقول بتوسل...
أسيل:هاتيلي ماما يانادين أنا عاوزاها.
أومأت نادين برأسها وهي خائفة بشدة عليها فهذه ليست أسيل أبداً إنها مجرد صورة باهتة لها.
كانت المياه تنهمر فوق جسدها الضئيل مثل إنهمار الدموع من عينيها العسليتين...كانت جسد بلا روح..نظرت ليديها وتذكرت أنها ربما تكون قد قتلت روح..أمسكت بسلاح وأطلقت منه علي إنسان كلما تتذكر ما حدث منذُ ساعات يزداد تساقط مطر دموعها وإرتجافة جسدها ، أنهت حمامها بأعجوبة إرتدت بلوزة قطنية باللون الوردي وسروال قصير من نفس اللون ورفعت شعرها الطويل إلي أعلي ، عندما خرجت من دورة المياه كانت والدتها بإنتظارها علي الفراش هبت من مكانها عندما رأتها ولكنها قالت بصوت واهن ضعيف...
أسيل:ممكن أنام في حضنك إنهرده يا ماما.
أدمعت عين سميحة وهي تحتضنها وتقودها للفراش وهي تقول بحنان متدفق...
سميحة:طبعا يا عيون ماما..ده أنا ما صدقت إن ربنا رجعك ليا بألف سلامة يا حبيبتي.
لم ترد ولكن دموعها سبقتها بالهطول ..تشبثت بوالدتها وجسدها يرتجف من شدة الخوف والحزن ظلّت سميحة تقرأ بعض أيات الذكر الحكيم علّها تهدئ من روعها قليلاً وقد كان ، سكن جسدها حتي غطت في نوم عميق.

فى جحر الشيطانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن