ترقب وحيرة

395 22 8
                                    

( من وجهة نظر أسيل)

استيقظت على حلم مزعج هذا الصباح، أبصرت في نومي أنني ألبس فستاناً طويلاً أبيض اللون ،ويداي مكبلتان بسلاسل من حديد، وأنا أصرخ وأبكي، حتى اختنق صوتي داخل حلقي، وجفّت دموعي على وجهي.

نهضت من السرير ،وأخذت حماماً دافئاً، ولبست ثيابي ونزلت إلى المطبخ . كانت أمي تخبز الفطائر المحلاة على النار، بينما تسمع الأخبار على الراديو.

- صباح الخير يا أمي.

توجهت أمي نحو الراديو وأغلقته.

-أهلا حبيبتي. كيف حالك اليوم؟ تفضلي هذه أول فطيرة لك. أتحبين أن أضع عليها الشوكولا أم المربى؟

-أفضّل المربى. شكراً لك.

دخل أبي في هذه الأثناء المطبخ، حاملاً بيده الجريدة الرسمية.

وقال: صباح الخير. كيف حال ابنتي؟ يبدو أنك استيقظت باكراً اليوم ،بالرغم من أنه يوم عطلة، ألديك أية مشاريع؟

-لا، في الحقيقة استيقظت على كابوس.

- خير، إن شاء الله.

-لا أريد اليوم أن يعكر مزاجي شيء، فاليوم خطبة علاء وغنوة، وأنا لا زلت سعيدة بعد أن علمت البارحة أن والدة أيمن قد شفيت من السرطان. كان نهار أمس يوما جميلا لا يُنسى.

قطّب أبي حاجبيه وقال في نبرة غاضبة: ألا تشعرين أنك تبالغين بالاهتمام بأيمن؟ كيك وحفلة وخاتم ثمين. لا تنسي أنك خطيبة مارك حداد، وأنّ أيمن هو مجرد سائق عندك.

أثار كلام أبي استيائي، فقلت له بغضب:

- أنا أريد الانفصال عن مارك. فأنا لست سعيدة معه.

نظر أبي إليّ ،والشرر يتطاير من عينيه ثم قال : لا بدّ أنك تحلمين؟ هل أيمن هو السبب؟أجيبيني.

بدأت بالتهام فطيرتي، ولم أنطق بحرف واحد.

ثم أكمل أبي قائلاً:

- كنت أعلم منذ البداية أن هذا الاهتمام الزائد بأيمن مصدره الحب. أسيل ،أنا أريد مصلحتك فقط ،إن الزواج من مارك هو الضامن الوحيد لك، لتعيشي سعيدة في المستقبل.

أجبته، وقد طفح كيلي: ماذا تعرف أنت عن سعادتي؟ وهل حقاً تهمّك سعادتي أصلاً؟ أنا لا أرى أنّ سعادتي مع مارك، فهو بالكاد يتحدث معي كلمة أو كلمتين في النهار. أين هو الآن؟؟ هل هو حقاً يفكر بي؟ أنا لا أثق به أبداً. لا أحد يدري. ربما لديه عشيقات أيضاً.

- ماذا تقولين؟ كفّي عن هذا الهراء. إن مارك رجل أعمال معروف، وتهمّه سمعته بين الناس. بالإضافة إلى ذلك ،إنه يحبك كثيرا، وهو يعمل ليؤمّن لك مستقبلا أفضل، ليس إلاّ.

-هذا فقط الذي يهمك. المال والمجد والجاه !!

- عندما تكبرين ستدركين أن والدك كان على حق.

-أنا لا أرى ذلك. عليّ الذهاب الآن.

خرجت من المطبخ لكي لا أسمع أي كلمة أخرى، ثم أمضيت بقية النهار في غرفتي حتى حانت الساعة السادسة مساءً، موعد الذهاب إلى الخطبة، سرحت شعري، وضعت مكياجا ثم لبست فستان سهرة طويل،زهري اللون.

عندما خرجت من المنزل، كان أيمن ينتظرني أمام السيارة ،فهو أيضاً مدعوٌّ إلى الخطبة، بصفته صديق للإثنين.

نظر إليّ مطولاً وابتسم ابتسامة خجولة ثم قال: فستان جميل جداً.

- شكراً لك.

كان أيمن يلبس بدلة رسمية سوداء ،تزيده جمالاً وتألقاً. وكان يلبس بإصبعه الخاتم الذي أهديته إياه. فرحت جداً لأنه أحبه.

وصلنا إلى بيت غنوة، وكان الحفل يقام في حديقة القصر. سلمت على خالي وزوجته ثم هنأت غنوة وعلاء وقدمت هديتي لهم.

تلفّتت حولي، رأيت أيمن يجلس على الطاولة، وحيداً. ذهبت وجلست معه، قال لي :تبدين رائعة مثل كل يوم.

ابتسمت لهذا الإطراء الغير متوقع، فأيمن جدي جدا وماهر في اخفاء مشاعره.

تبادلنا الأحاديث، خاصة عن نهار أمس ،وعبر لي عن فرحته الكبيرة بهذه المفاجأة وعن امتنانه الكبير لي.

كان قلبي يرقص فرحا كلما نظر إلي، حتى أحسست أنني في عالم آخر ،نسيت للحظة كل من حولي حتى أتى شقيق غنوة وطلب أن يرقص معي. نظرت حولي فكان معظم الحضور قد بدأوا بالرقص والغناء. خجلت أن أرفض طلبه ،فرقصت معه قليلا ،ثم عدت الى الطاولة ،فلم أجد أيمن.

أحسست بالضيق، أين ذهب يا ترى؟

تلفتت حولي، فرأيته يرقص مع فتاة جميلة .كانت تنظر إليه بشغف وحب بينما هو كان يتلفت حوله. وكأنه يبحث عن أحد ضائع. أيعقل أنه يبحث عني؟!

أحسست بالغيرة تنهش قلبي ،فأنا لا أحتمل أن أراه مع امرأة غيري.

شربت قليلاً من الماء، وأنا أحاول جاهدة كبت مشاعري، فجأة رنّ هاتفي وكان مارك  المتكلم.أجبت عليه.

- مرحباً أسيل. كيف حالك؟

- بخير .وأنت؟

- الحمدلله. يبدو أنك في الخطبة.أسمع صوت موسيقى. سلمي على غنوة وبلغيها أحر التهاني.

-شكرا لك.سأخبرها بذلك.

-كنت أريد أن أقول لك، سأعود إلى لبنان غدا. سأبقى قرابة الشهر .دعينا نقيم حفل زفافنا هذا الشهر. ما رأيك؟!

تسمّرت في مكاني، وأنا أبحث عن كلمات.

-أنا لا أسمعك جيداً. الموسيقى صاخبة جداً قربي. أكلّمك لاحقاً.

أسيل (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن