بعد برهة من الزمن، أجبت على هاتفي.
-ألو.
-ألو، كيف حالك يا أسيل؟
-الحمدلله بخير. وأنت؟
- بخير. اشتقت إليك كثيرا. هل أعجبتك مجموعة الياقوت الحمراء التي أرسلتها لك؟ كانت هذه أجمل ما قد تم استخراجه هذا الأسبوع.
-نعم، بالطبع.
نحن نعمل على تصميم خواتم من هذه اليواقيت.
شكرا لك.
-بالمناسبة، أنا أسمع خطاب والدك الآن على التلفاز.
-ٱه! نسيت! سوف أدير التلفاز الآن، أكلمك لاحقاً.
وداعاً.
- حسنا. وداعاً.أغلقت الهاتف،وأدرت التلفاز على المحطة الرسمية، رأيت أبي يعقد مؤتمرا صحفيا عاجلاً، وعلامات الغضب بادية على وجهه وكان يقول:
".....لبنان هو خط أحمر، لن نقبل لأحد أن يعيدنا إلى لغة الوعيد والتهديد والتخويف والتقسيم من جديد. إنّ المعارضة تحاول عرقلة عمل المؤسسات والإدارات الرسمية. سنعمل على قطع اليد التي تمتد لتؤذي لبنان، أو أن تنال من حريته. عشتم وعاش لبنان."
كان هذا آخر ما أدلى به في المؤتمر، أغلقت التلفاز وأنا حزينة على ما يجري في لبنان. لبنان، هذا البلد الصغير بمساحته، الكبير بمحبة أبنائه.
لعلّ أجمل ما قيل عنه: "إذا كانت الجنة في الأرض، فهي في لبنان. وإذا كانت في السماء،فهي فوق لبنان. وإذا كانت في بطن الأرض، فهي تحت أطباق ثرى لبنان.
وكذلك قال فيه جبران خليل جبران:
"لبنان يا جبل الصمود
ويا سهول الكبرياء
لبنان يا أرض الكرامة
ريح الشهادة منك جاء
لبنان يا سحرا جميلا
يا صخرة يا نبع ماء
لبنان يا بحرا كبيرا
من المحبة والأخاء"كم نحتاج الآن إلى الاحتكام إلى لغة العقل والمحبة، ونسعى لإعادة وطننا جميلاً ومشرقاً..
صدرت مني تنهيدة ملؤها الألم، عندما تذكرت محاولة اغتيال أبي منذ خمس سنوات -الذي نجا منها بأعجوبة- بعد إدلائه بخطاب ناري.
دُقّ الباب،وودخلت غنوة حاملة بيدها تصميم لخاتم الياقوت.
- مرحباً أسيل. كيف حالك الآن؟
حاولت إخفاء القلق الذي نشب في داخلي.
أجبتها: " نعم،بخير. هل انتهيت من تصميم الخاتم؟
أجابتني بنعم، وقدمت لي التصميم لكي أراه.
- هذا التصميم رائع بالفعل.شكرا لك، سنبدأ بالعمل عليه غدا.
- حسناً! شكراً. عليّ طباعته الآن. أراك لاحقاً.
غنوة صادق، ابنة خالي عماد صادق، عمرها ست وعشرون سنة، ذو وجه ناعم وملامح طفولية، عيناها بنيتان والنمش يغطي خدّيها. تملك قلبا أبيض، وشخصية جذابة ومرحة.درست كذلك تصميم المجوهرات، وعملت معي على تجهيز الشركة وافتتاحها. علاوة على ذلك، فهي صديقة الطفولة ومودع أسراري.
بعدما غادرت غنوة مكتبي، انكببت على عملي حتى انتهيت من تصميم العقد الفضي، وكانت قد أصبحت الساعة الرابعة عصراً، وقت انتهاء العمل.
خرجت من الشركة، بعدما ودّعت علاء وغنوة، واتجهت إلى سيارتي، لكنّي وقفت بلا حراك، عندما سمعت أزيز رصاص قد دوّى في المكان.

أنت تقرأ
أسيل (مكتملة)
Romanceيحدث أن ترى إنساناً لأول مرة،وتشعر أن وجهه ليس غريب عنك،وصوته مألوف على أذنك.وتتوهم أنك رأيته في عالم قبل هذا العالم،ولا بدّ أنّ صداقة قوية نشأت بينكما في الحياة الأخرى، وأنه جاء ليستأنف هذه الصداقة. ولا عجب ! فإنّ الأرواح تتصافح قبل الأيدي وقبل الع...