عودة مارك

333 22 10
                                    

لم أستطعْ تصديق ما سمعته للتوّ. أردت فقط تكذيب الخبر، لا يعقل أن يكون أبي قد أغتيل،لا ،لا أصدق هذا.لا بدّ أنها مزحة ثقيلة.

بعد نصف ساعة، بدأ الأقارب والأصدقاء بالتوافد إلى المنزل ليقدّموا التعازي والمواساة .أمي كانت منهارة تماماً، تبكي وتولول معظم الوقت، أما أنا فبقيت رافضة تصديق الخبر. لم أستطع البكاء أو النطق حتى بالكلام.

بعد دقائق ،كانت شاشات التلفزة تنقل الخبر مباشرة ،أبي قد أُغتيل ،هو ومرافقه، في انفجار عبوة ناسفة استهدفت سيارتهم. بدأت التحقيقات في الحادثة ووجهت أصابع الاتهام إلى المعارضة في البلد.

كنت أجلس في صالة الاستقبال في المنزل، أنظر إلى ما يجري حولي، أشخاص تأتي وأشخاص تذهب، بكاء وعويل وصراخ، أما أنا فكنت تائهة في عالم آخر ،لا أفقه من ما يحدث شيء. كنت حزينة جداً من الداخل، بل قل محطمة، ومما زاد حزني، الشجار الذي دار بيننا البارحة، فأبي قد قتل ولم يتسنى لي مصالحته. ليتني لم أقم بإزعاجه ومضايقته.

أتى أيمن ليقدم التعازي لي، احتضنني وقال :الله يرحمه. حزنت جداً لسماع هذا الخبر.

لا أدري ما حلّ بي، انفجرت بالبكاء فجأة.

قال: لا تحزني أرجوك. لا أحب أن أراك حزينة.

ثم مسح دموعي المنهمرة على خدي واحتضنني بشدة.

في هذه الأثناء، أطلّ مارك من الباب،التقت عيني بعينه ،فأسرع متوجهاً نحوي، متخطيا كل الأشخاص الذين بجانبي.

التقى مارك بأيمن الذي كان يقف قربي، فقمت بتعريفهما على بعض: مارك ..خ...خط...خطيبي (قلتها بتلعثم من شدة الصدمة)، أيمن مرافقي الشخصي.

تصافح الإثنان، وكانت علامات الضيق بادية على وجهيهما. ثم استأذن أيمن بالذهاب ،فقام مارك باحتضاني وقال:أحزنني الخبر كثيراً .فجواد بيك هو بمعزة أبي .سمعت الخبر وأنا في المطار، فتوجهت مسرعاً إلى هنا.

- شكراً لك يا مارك، وأبي كان يعزك كثيرا.

-سأكون بجانبك دوماً. أعدك بذلك.لن أسافر بعد الآن،إلا بعد زواجنا ،طبعاً إذا رغبتي أنت بالسفر.

لم أدرِ ما عليّ قوله ،استمريت بالبكاء بصوت مكبوت.

بعد مرور ثلاثة أشهر :

كان الحزن قد لفّ قلبي بالسواد طوال تلك المدة،لم أستطع تقبل فكرة موت أبي بتلك السرعة. كنت أنام باكية وأقوم حزينة مكتئبة.وكنت أحيانا أشرب الكحول كي أنسى الألم القابع في داخلي. كان أيمن يحاول التخفيف عني قدر المستطاع، لكن وجود مارك المستمر بالقرب مني كان يمنعه من ذلك .

بالرغم من اهتمام "مارك" الدائم بي،لم أستطع أن أحبه كمحبتي لأيمن .فأيمن ما زال المستحوذ الكامل لقلبي.

قام مارك بدعوتي الليلة على العشاء خارجاً ،وذلك محاولاً التخفيف عني من وطأة الحزن والأسى . فوافقت على مضض، وذهبنا في سيارته إلى مطعم فاخر .

تناولنا العشاء سويا على أنغام موسيقى كلاسيكية،ومن ثم سألني إن كنت أرغب بالرقص، جاوبته بالنفي ،لأني لم أكن سعيدة. فوجوده بقربي لم ينسني أيمن ولا الحزن الساكن في قلبي. من ثم طلبت كأسا من الخمر ،شربت الكأس تلو الكأس حتى ثملت.

عدت إلى المنزل،لكن قبل دخولي ،ذهبت إلى البيت الخشبي،كنت مشتاقة جداً لأرى أيمن.فتحت الباب ودخلت ،كان أيمن يجلس على الأريكة يقرأ كتاباً.صُدم تماماً عندما رآني أمامه وخاصة إني كنت أترنح قليلاً في مشيتي.

صرخ بي: أسيل؟! ما بك؟ هل أنت ثملة؟؟

-لا ،بل صاحية تماما.جئت لأقول لك إني أحبك جدا. فأنا لا أريد مارك .أنا أريدك أنت فقط.

بانت الصدمة على وجهه ثم صاح قائلاً: هل جننتي؟

اقتربتُ منه أكثر، وحاولت تقبيله، ولكنّه دفعني بعيداً عنه، حتى ارتطمت بالباب خلفي.أحسست بألم في جسدي ،وكأنني فجأة صحوت من سكرتي ،فخرجت مسرعة إلى المنزل والدموع تنهمر على وجهي.

أسيل (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن