تمرّدٌ

317 25 17
                                    

(من وجهة نظر أسيل)

ألا تجلسين لخمس دقائق أخرى؟!
ففي القلب شيء كثير...
وحزن كثير...
وليس من السهل قتل العواطف في لحظات
وإلقاء حبك في سلة المهملات...

(نزار قباني)

هناك آلام طفيفة ننساها بعد دقائق أو ساعات، وهنالك آلام، تعتصرنا من الداخل فتبعثرنا رأسا على عقب، فلا نعود بعدها كما كنّا أبداً. ننتفض فجأةً ،ونصحو من سباتنا العميق، ونعود لتقييم الأمور من منظار آخر.

تألّمت كثيراً، عندما تذكرت كيف كانت ردّة فعل أيمن البارحة، أحسستُ أنّي جُرحت في صميم قلبي. ثار كبريائي ثورة جامحة، واتخذتُ قرارا باستبدال قلبي بحجرٍ أصمّ، فلا يعود له متّسع أن ينبض بالحب ولا أن يشتعل بالشوق، وسأجعل عقلي هو سيّد القرار، فله الحق في اتخاذ القرارات التي يراها صائبة.

اتّصل أيمن اليوم بي عدة مرات، وأبلغني أنّه يريد رؤيتي، لكن لم أردّ عليه، لأنّني غاضبة جداً منه ،ولا يمكنني قبول أيّ عذر يقدمه لي، فكل الأعذار واهية بنظري. أحسست بأنه من الصعب عليّ أن أسامحه بعد الذي حصل.

عند الظهيرة، تكلّمت مع مارك، ووافقت على تسريع الزواج، فهذا هو الحلّ الأنسب لكي أنسى أيمن وأمحيه من حياتي للأبد. بالإضافة الى ذلك، فهذه كانت أمنية أبي قبل وفاته. وافق مارك على الفور  وبدأنا التحضير لحفلة الزفاف المقررة نهار هذا الأحد.

في اليوم التالي، نهار الثلاثاء ،كان عليّ أن أختار فستان الزفاف. أرسلت رسالة نصّيّة لأيمن ليكون مستعدا بعد نصف ساعة لكي يقلّني إلى متجر الفساتين.

عندما غادرت المنزل، كان أيمن ينتظرني في السيارة وعلامات الحزن والأسى تبدو على محيّاه، حيّيته وجلست على المقعد الخلفي. قال لي:

- كيف حالك يا أسيل؟ انشغل بالي عليك كثيرا البارحة. لم تردّي على مكالماتي. أنا أعتذر جداً على تصرفي المزعج نهار الأحد، كل ما في الأمر أني تفاجأت عندما رأيتك ثملة، ولم أستطع استيعاب ما قلتيه ليلتها. هل كلامك كان صحيحا؟هل أنت فعلاً مغرمة بي؟

- كنت ثملة ولم أفقه لما قد قلته حينها. حسناً اعتذارك مقبول. وأنا أيضاً اعتذر على ما بدر منّي. كانت هذه غلطة لن تتكرر.

- لا عليك. إلى أين ستتوجهين اليوم؟ إلى العمل؟

- لا، ليس إلى العمل. في الحقيقة ،نسيت أن أقول شيئاً. أنا ومارك سنتزوج الأحد المقبل، وعليّ أن أختار فستان زفاف.

- آه حقا! وهل أنت سعيدة للزواج من مارك؟!

- نعم.

- لم ألْحظ أنك سعيدة.

- لا أدري لم أنت مهتم جدا لسعادتي؟ أنا مرتاحة هكذا وهذا يكفي.

- حسنا كما تريدين.

من ثم ساد الصّمت طويلاً ،حتى وصلنا إلى المتجر .دلفت إلى الداخل ثم تبعني أيمن، كان المتجر كبيرا جداً ،وفيه فساتين بيضاء بمختلف الأحجام والأشكال والتصاميم.
لبست أوّل فستان، كان طويلا وضيقا و بلا أكمام. كان أيمن بالقرب مني .سألته:

- ما رأيك بالفستان؟

- في الحقيقة، لم يعجبني كثيراً ،يمكنك أن تجربي فستان آخر يكون أوسع من الأسفل .

- حسناً.

لبست فستانا آخر ، طويلا وواسعا بأكمام طويلة شفافة، مصنوعا من الحرير الناعم، والقليل من الدانتيل في الأسفل، منسدلا بطريقة رائعة، وله طرحة طويلة مطرزة يدويا.

أعجبني كثيرا هذا التصميم الأنيق والمميز، كما أعجب أيمن به كثيرا. فاشتريته وذهبنا إلى السيارة.

في طريق العودة، كان أيمن ما زال كئيب المظهر ،عاقد الحاجبين، ملتزم الصمت. وكأنه بركان على وشك الانفجار . لم أنطق بكلمة خوفاً من أن يشتعل ويثور. ربما فكرة زواجي من مارك جعلته غاضبا هكذا.

فجأة صاح بغضب: هل أنت حقاً تحبين مارك؟ أجيبيني على سؤالي!

- ولم أنت مهتما لهذه الدرجة؟! أحبّه أو أكرهه، هذا من شأني أنا فقط.

وكأنه بركان وثار ، انعطف بسرعة بالسيارة إلى طريق آخر.

صحت به : إلى أين أنت ذاهب؟

لم يجبني بل استمرّ في القيادة مسرعاً وهو غاضب، أشدّ الغضب. توقف فجأة أمام الشاطئ، كان الجو باردا جداً والنسيم يتلاعب بالأشجار على الرصيف، والبحر هائج وأمواجه عالية تتخبط في الصخور بعنف.

نزل أيمن من السيارة و قام بفتح الباب الخلفي، ثم قال لي بقسوة: انزلي من السيارة. علينا التحدث.

- لن أنزل. ليس لديّ شيء لأقوله. الجوّ باردٌ جدا في الخارج، هيّا لنعود إلى المنزل.

- لا، لن أعود قبل أن تجيبي عن أسئلتي.

بقيت متسمّرة في مكاني، وأنا أرتجف من البرد والخوف. فجأة أمسكني بذراعي وأخرجني بالقوة .

صحت به : ماذا تريد مني؟ هيا قلْ بسرعة.

أمسكني بكلتا يديه وصاح بي: أنا أحبك يا أسيل!! أحبك جداً!  ولن أقبل أن يتم هذا الزواج !!

أسيل (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن