فقدان

344 25 7
                                        

(من وجهة نظر أيمن)

"أما أنت فقد دخلت إلى عروقي وانتهى الأمر، إنه لمن الصعب أن أشفى منك"

(غسان كنفاني)

كنت ليلة أمس جالساً على الأريكة جنب المدفأة ،أفكر بأسيل ومارك وبالعلاقة التي تجمعهما. وأتساءل هل هي فعلاً تحبه؟ هل هي مرتاحة بالتعامل معه؟ فأنا لم أرتح لمارك منذ البداية. أحسست بأنه رجل كاذب، مغرور ومنافق. لا أدري ما الذي جعلني أشعر أنه يملك تلك الصفات، لكنني كنت أثق كثيراً بحدسي الأول.

قد مضى وقت وأنا غارق في التفكير، فلم أجد أجوبة شافية، لكي يهدأ عقلي المتعب، ويستقر قلبي المتيّم.
فقررت أن أقرأ كتاباً بعنوان "عالم صوفي"، لكن عبثاً حاولت التركيز على القراءة، كان طيف أسيل يرافقني أينما توجهت، وخاصةً عندما تذكرت أنها ستكون الآن مع مارك، يتناولان العشاء خارجاً. قرّرت أن أستقيل من عملي اليوم، فوالد أسيل قد قُتل، لذلك فقد زال الخطر عنها، وهي يمكنها الآن أن تقود سيارتها حرة طليقة. اعتزمت أن أبلغها بقراري عندما تعود من العشاء، لأنه لم يعد لوجودي أيّ أهمية.

فجأةً، فُتح الباب بقوة ،ودخلت أسيل منه وهي تترنح في مشيتها. فُوجئتُ جداً عندما رأيتها بهذه الحالة، تركت الكتاب من يدي وهببت واقفاً .توجهت أسيل نحوي ثم اعترفت لي بحبها وبعدها حاولت تقبيلي، لكن لا أدري ما حلّ بي فجأةً، أحسست بغضب شديد داخلي، فدفعتها بعيداً عني، فمجرد تفكيري أنها كانت مع مارك طيلة السهرة، جعلني أشعر أنني انسان وحيد مهمل. تأتي الآن بعد كل هذا، لتقول لي أحبك؟ ما ينفع اعترافها وهي سكرانة ثملة؟ ربما هي لا تفقه ما تقوله حتى. لم لا تتخلى عن مارك إن كانت حقاً تحبني؟ ليتها قالت لي هذا الكلام وهي صاحية، لكنت الآن أسعد رجل في العالم.

غادرت أسيل الغرفة وهي باكية حزينة، لم أقصد جعلها تبكي أو تتألم  لكن كبريائي كان يمنعني من الرضوخ لها بسهولة. فأنا مجروح من صميم قلبي، ويصعب الشفاء بسهولة من هذا الألم.

في اليوم التالي، انتظرت في الخارج لكي أقلّ أسيل إلى العمل، فاليوم نهار الإثنين، لكنّها تأخرت كثيرا. ذهبت إلى القصر لأراها، لكن والدتها قالت لي أنها مريضة، وستلازم الفراش اليوم. أدركت حينها أنها حزينة على ما جرى البارحة، ثم حاولت كثيراً الإتصال بها على هاتفها ،لكنها لم ترد .

بقيت أغلب نهاري أتقلب حائراً ،فمجرد تفكيري أنها حزينة الآن بسببي جعلني أتمزق من الداخل. أنا أحبها، لا بل أعشقها ولا أطيق البعاد عنها حتى للحظات.
اعترافها بحبها لي البارحة وإن كانت ثملة، أعطاني دافعا قوياً، لكي أبقى بالقرب منها.

تناولت هاتفي، بعد لحظات، وكتبت رسالة نصية لها :"آسف جداً لما حدث، أريد أن أراكِ لأشرح لك موقفي"، ومن ثم أرسلتها.

كنت اعتزم أن أعترف لها بحبي، وأبوح لها بكل مكنونات قلبي، فحينها سيعود لها القرار في الاختيار، أنا أم مارك.

انتظرت بفارغ الصبر أن ترد على رسالتي، أو أن تأتي لنتحدث، لكن دون جدوى.

في المساء، قررت أن أذهب لأسأل عنها مجدداً، عندما اقتربت من المنزل، رأيت الباب مفتوحاً، وصوت مارك قادم من الداخل، وهو يتحدث على الهاتف. سمعته يقول:

- ألو فراس،أين أنت؟ حاول الإسراع بالقيام بالمهمّة، أسمعت؟! يوم غد أو بعده كأقصى حد. مفهوم؟؟

لا أدري لمَ تسمرت في مكاني لأستمع لحديثه، ربما لأنني أحسست أن كلامه يحمل كثيراً من الجدية والغموض، أو لأن عملي يجعلني أتحرّى عن كل ما هو غامض وخفي. ففي النهاية، يجب عليّ أن أحمي أسيل من كل خطر.

صمت مارك قليلاً ثم قال: نعم، نفّذْ ما قلته لك حرفياً. نعم، في المرفأ الغربي. الخطة قد تغيرت، لأن زفافي سيكون هذا الأحد.

أسيل (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن