الرسالة هزّت ليندا، لكنها لم تُحطمها — بل فتحت بداخلها بابًا جديدًا، بابًا لماضٍ لم تختَره، ومستقبل لا تعرف شكله.
الآن، "ريما" هو الاسم الوحيد الذي يحمل خيط الإجابة.
في الصباح التالي، لم تعد ليندا تمشي في الممر المظلل كما اعتادت.
هذه المرة، خرجت وفي قلبها اتجاه، ولو لم تعرف بعد الطريق.
كانت تحتضن الكتاب الذي وجدت فيه الرسالة، تمشي في الشوارع كأن
كل وجه تراه قد يكون ريما... أو شخصًا يعرفها.
مرّت على المقهى الذي كانت تزوره أحيانًا مع إلياس، وجلست هناك.
طلبت القهوة كالعادة، دون سكر.
وضعت الكتاب أمامها، فتحته من منتصفه، وبقيت تحدّق في الرسالة من جديد.
"ابحثي عن ريما..."
من هي؟ صديقة؟ مربية؟ أخت؟ شاهدة على شيء لا يُقال؟
فجأة، تقدّمت إليها النادلة وسألتها بابتسامة:
– عذرًا... هل اسمك ليندا؟
رفعت ليندا عينيها ببطء، قلبها كاد يتوقف.
قالت النادلة:
– هناك سيدة جاءت قبل يومين، تركت هذا الظرف معنا، وقالت: "سيأتي أحدهم ويسأل... أو لن يسأل، لكنه سيظهر."
طلبت منّا أن نعطيه فقط لمن يحمل هذا الكتاب بالذات.
قدّمت لها ظرفًا صغيرًا، عليه طابع قديم، ومكتوب بخط رقيق:
"من ريما."
⸻
ليندا فتحت الظرف بحذر، ونظرت إلى الورقة.
لم تكن رسالة... بل رسمٌ بالقلم الرصاص لوجه إلياس وهو أصغر سنًا،
بجواره فتاة صغيرة ذات عيون حزينة.
وفي أسفل الورقة، كان مكتوب:
"إن أردتِ أن تعرفي من هو إلياس فعلًا، فابدئي من البيت الزجاجي، شرق
المدينة... حيث لم يكن أحد يرى، لكن كل شيء كان يحدث."
⸻
ليندا الآن تمتلك شيئًا جديدًا:
• اسم.
• ذكرى مرسومة.
• ومكان: البيت الزجاجي
رغم أن كل شيء بدا ساكنًا، كان في قلب ليندا ما يشبه الخيط المشدود...
ليس خوفًا، بل توترًا ناعمًا — وكأن كل شيء حولها يتحرك دون أن يُحدِث
صوتًا.
ذهبت شرق المدينة، حيث دلّتها الرسمة.
مرّت بمنازل باردة المظهر، حتى وصلت إلى حيّ قديم لم تزره من قبل.
وهناك... على تلة خفيفة، خلف أشجار سُرو كثيفة، رأت البناء.
البيت الزجاجي.
هكذا سُمِّي، لكنه لم يكن من زجاج كامل.
واجهة واحدة فقط من الزجاج، قديمة، مكسورة جزئيًا، تظهر من خلفها رفوف كتب وبيانو مهجور.
الباب مغلق بسلسلة صدئة.
اقتربت ببطء، قلبها يقرع ببطء ثقيل.
نظرت من خلال الزجاج... ثم توقفت.
كان هناك شيء على البيانو.
ورقة صفراء. مرسومٌ عليها رمز صغير: فراشة.
عادت إلى الورقة التي أعطتها إياها النادلة.
نظرت للرسم... وعلى رقبة الفتاة الصغيرة في الرسمة
عقد فراشة.
⸻
مشهد داخلي:
ليندا لا تستطيع دخول المكان، لكن ترى فيه شيئًا يناديها.
تمر بجانبها امرأة مسنّة وتقول فجأة:
– هذا المكان... لا يدخل إليه أحد من سنين.
كان ملكًا لعازف مجنون... قالوا إنه اختفى، وترك وراءه "طفلة" لا أحد يعرف من أين جاءت.
ليندا لم تقل شيئًا.
لكن قلبها أدرك:
البيت لا يقول الحقيقة بصوت مرتفع، لكنه يهمس بها... ببطء.
⸻
الفراشة تظهر مرة أخرى.
البيت يشبهها... هشّ، صامت، لكنه خبيء.
هل بدأت ذاكرة ليندا تعود؟
أم أن ما تظنه ماضيها ليس إلا قصة جديدة تُكتب الآن
أنت تقرأ
عثرات القدر المظلم
Mystère / Thrillerغموض. خيال. علمي. شريحة م̷ـــِْن الواقع حكاي فتاة بين الالم والامل يعكسها القدر لتجد نفسها بين جدران الياس
