الذي لا يُقال

5 0 0
                                        

وقفت ليندا أمام "البيت الزجاجي"، تحدّق به لدقائق...
عينُها تتأمل الزجاج المكسور، البيانو الصامت، الورقة الصفراء، وكل شيء فيها يقول: "ادخلي."

لكن قدميها لم تتحركا.
كان قلبها يهمس:

"لا الآن... ليس بعد."

استدارت، وابتعدت دون أن تلتفت، كأن المكان يراقبها وهي ترحل.

في طريق العودة، راودها شعور غريب...
كأن أحدهم تبعها.
نظرت خلفها... لا أحد.

لكنها لاحظت شيئًا.

على الرصيف الخلفي، أمامها بضع خطوات... كانت هناك سيارة قديمة، تقف منذ زمن، فيها رجل بدا نائمًا.
نظرت إليه من بعيد، لكنه لم يتحرك.
تجاوزته.
لكن ظلّه بقي في ذهنها.

عادت إلى البيت قبل الغروب، والخادمة تنتظرها عند الباب.
ابتسمت لها، لكن ليندا شعرت أن هناك شيئًا مختلفًا في نظرتها.

– تأخرتِ، أليس كذلك؟
– كنت أتمشّى فقط.

الخادمة لم تُعلّق، لكنها ضغطت على كلماتها قليلًا وهي تقول:

– المرة القادمة... أخبريني. لا تخرجي دون أن أعلم. العالم ليس كما يبدو يا ليندا.

سارت ليندا إلى غرفتها، وأغلقت الباب... ثم توقفت.

كانت النافذة مفتوحة.
هي لم تتركها كذلك.

في المساء:

أعدّت الخادمة القهوة.
وقدّمتها بابتسامة كعادتها.

لكن هذه المرة، ليندا لم تشربها.
وضعتها على الطاولة، وجلست بهدوء، تراقبها وهي تخرج من الغرفة.

وفي اللحظة التي أُغلِق فيها الباب، اقتربت ليندا من الفنجان.
شَمّته...

كانت الرائحة مختلفة.

ليندا لم تعد فقط تبحث عن الحقيقة في الخارج...
بل بدأت تشكّ أن الإجابات قد تكون قريبة جدًا.
قريبة لدرجة أن بعضها قد يكون في الفنجان ذاته

تأخرت ليندا في النوم تلك الليلة.
لم تكن خائفة فقط... بل كانت تشعر بشيء غريب في صدرها، شيء يُشبه الضيق الذي يسبق العاصفة.

غفت دون أن تشعر، والكتاب مفتوح بجانبها، على نفس الصفحة التي وُضعت فيها الرسالة.

في الحلم، لم تكن في غرفتها.

كانت تمشي في ممر طويل، جدرانه مغطاة بالمرايا... لكنها لم ترَ وجهها فيها.

كانت المرايا تعكس صورًا مشوشة... فتاة صغيرة تقف وحدها، خادمة تحمل باقة زهور، رجل يضع كتابًا داخل بيانو، وفراشة سوداء تحوم حول الضوء.

ثم ظهر إلياس، يقف على بُعد خطوات منها، لكنه بدا أصغر بكثير، عيونه شاحبة، وشعره مبلل كمن خرج من مطر كثيف.

قال لها بصوت خافت:

"ليندا... لا تثقي بالصمت.
أحيانًا، الذي لا يُقال... أخطر من الذي يُقال."

ثم اختفى.

وتحوّل الممر إلى درج حجري مظلم...
ومع كل خطوة، بدأت تسمع لحنًا...
لحنًا تعرفه، لكنه بلا اسم.

فجأة، انطفأ كل شيء.
استيقظت وهي تلهث.

في الصباح:

ظلت ليندا طوال اليوم تستعيد الحلم.
الكلمات، اللحن، المرايا... والرجل الذي بدا أنه ليس إلياس فقط، بل نسخة قديمة منه... كأنه كان يعيش بشخصيتين.

قررت ألا تخرج من المنزل، بل تبقى فيه —
وتراقب.

بدأت تلاحظ حركات الخادمة.

كيف تُقفل باب المطبخ بإحكام،
كيف تهمس أحيانًا في الهاتف بلغة غريبة،
كيف تُكثر من غلي القهوة، لكن لا تشربها أبدًا.

وفي المساء، كانت تقف خلف الباب، تسمعها تتحدث عبر الهاتف:

– ...لا، لم تلاحظ شيئًا بعد.
– نعم، أعطيتها القهوة.
– لكن لا أعلم إن كانت شربتها.

صمتٌ طويل... ثم:

– البيت الزجاجي؟ مستحيل.
– لم يكن من المفترض أن تجد الرسالة...

ليندا أغلقت الباب بهدوء، وتراجعت.

كل شيء تغير الان

الحلم لم يكن خيالًا... بل رسالة مغلّفة.

والخادمة ليست كما تبدو.

وكل خطوة جديدة تُقرب ليندا من شيء...
قد لا تكون مستعدة لمعرفته بعد.

في اليوم التالي، كانت ليندا مختلفة.

هادئة... لكن ليس كعادتها.
تبتسم حين تُطل الخادمة، وتُجيبها بجمل قصيرة.
لكن خلف الابتسامة، عقلها يعمل بلا توقف.

بدأت تسجل الملاحظات في دفتر صغير — توقيتات، عبارات، نبرات الصوت، نظرات الخادمة حين تظن أنها لا تُراقَب.

في المساء، وبينما كانت الخادمة تُرتّب الطاولة، اقتربت ليندا وسألتها برقة:

– هل كنتِ هنا منذ زمن طويل؟ أعني... قبل أن أصل؟
– لا يا صغيرتي، جئت بعدك بأيام فقط... لما طلبني السيد إلياس.

لكن نبرة صوتها كانت تحتوي على تردّد خفي.
ليندا لاحظته.

وللمرة الأولى، نظرت إلى رقبة الخادمة...
ورأت عقدًا صغيرًا على شكل زهرة بنفسج — يشبه تمامًا الزهرة التي وضعتها ليندا على دفترها قبل أيام.

هل هذه مصادفة؟
أم أن للخادمة علاقة بما هو أعمق من مجرد خادمة؟

في منتصف الليل، خرجت ليندا من غرفتها بخفة.

كانت الخادمة نائمة... أو هكذا ظنت.

سارت نحو المطبخ، بحثًا عن شيء، أي شيء يكشف نواياها.
وما إن فتحت درجًا صغيرًا، حتى وجدت دفترًا أسود صغير الحجم... بدا وكأنه يوميات.

فتحت الصفحة الأولى، فكان العنوان:

"إلياس... لم يكن ما قاله."

وأسفل الصفحة، فقط اسم واحد:
ريما.

ليندا لم تعد تسأل فقط من هي؟
بل بدأت تتساءل:
هل كل ما عاشته منذ البداية...
كان جزءًا من سيناريو كُتب مسبقًا

عثرات القدر المظلم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن