الشابتر الثامن والاربعين ~ المرأة الوحيدّة التيّ أحببتّ ~

1.8K 90 18
                                    

مـظلـة سـوداء تقيها من المـطر معـطف أحمر اللون يـلاءم قبعتها الصـوفية و وشاحها الأبيض مع حـذاء ذو كعب عـالي نوعا ما و فستان أسود ،
خصـلات شعرها البـنيّ تتلاعب بها الرياح بخفةّ كأنها ترقص على أنغام حـزنها بينـما ملامحـها الهـادئة مليئة بـرغبتها الشديدةّ في البـكاءّ غير أن
و عوض الدموع ابتسمت كعـادتهاّ هي تضـع أناملها علىّ تلك اللوحـةّ ، فجـأة شـعرت بخطوات شخص آخر تقترب منها لم تستدر لأنها تعلم مسبقا
من القـادم فاكتفت فقطّ بـنزع ابتسامتها من شفتيها لما تحدث القـادم بنبرةّ رقيـقة للغـايةّ
ـ هل إلقائي لتحية سيلقى ردا ؟
بقيت لوهلـةّ من الوقت تـنظر بعينين شاردتين نـحو قبر والدها جوناثان قبل أن تستدير إليها كانت ملامحها بـاردة هـادئةّ كأنها لا تراها على الإطلاق
حينمـا مدت يدها اليمنى نحوها كي تمسكهاّ الأخيرة بنوع من السـعادةّ بعد ذلك ابتعدت عنها بخـطوات بسيطة و هي تنـظر مجددا نحو قبـر والدهاّ لكي
تتحدث القـادمة بنوع من الـحيرة
ـ لمـاذا تـكبدت عـناء البحث عني ؟ اعتقدت أنك و بزواجك من ابن تـلك المرأة سوف يتسنى لك نسياني كليا فـلم تعودي بحاجة إلي ..
ضحكت ماري بـخفةّ قد رن صدى ضحكـتها في الأرجاء مما جعل الأخرى تشعر بالحيرةّ أكثر إذ بدت لها ابنتها متـغيرة جدا كـأنها لم تعد نفسها هذا
غـريب كي تلتزم الصمت في انتظار إجابتها التيّ لم تطل الانتظار لتحصل عليها فهاهي تتحدث ماري بنـبرةّ هادئة
ـ أعـتذر إن كان اتصالي قد أزعجك لكن أنـا بحاجة لاستشارتك في أمر ما ..
قطبت سيليا حاجبيها باستنكار أكثرّ منذ متى تأخذ ابنتيها برأيها ؟ إنهما لا يعتبرانها على قيد الحيـاة إطلاقاّ قد رفضت فـلورا مجيئها أو الاتصـال بهما
مجددا كما أنها حذرتها من الاقتراب من ماري لكن هاهي طفلتها الصغيرةّ التي لم تـبحث عنها قطّ تـتصل بها في أمر طارئ تطلب منها اللقاءّ ، كادت أن
تتحدث لما نـظرت ماري نحوهاّ أشـارت بـخفة على شعر سيليا قائلة
ـ أحصلت على تسريحة جديدة ؟ تـبدوا جميلة عليك ..
نـظرت إليها بدهشة قبل أن تلمس خصلات شعرها الأشقر بنوع من الذهول كيف تعـلم بأنها حصلت على تسريحة جديدةّ ؟ أحكمت الإمساك بقبضتها لا
عجب في ذلك فـزوجها هو نايت لبيير رجل مثله لن يصعب عليه مـعرفة أدق تفاصيل حياتها بينما تـنهدت ماري بـقلة حيلة إذ لمحت الصدمة على والدتها
كي تجلس بـخفة على ركبتيها قـائلة
ـ أمـي .. أنـا أحب شخصا
فتحت سيليا فاهها بصـدمة كادت أن تصيبها نوبة قـلبية أهـذا يعني أنها تحب شخصا غـير زوجها ؟ شحب وجهها كليا و عـادت تنـظر من حولها كي تتأكد
بأن لا أحد يراقبهما بينما قطبت ماري حاجبيها قد أسندت رأسها على ذراعها قـائلة بنبرة متململة
ـ لا تقلقي لا أحد يراقبنا ..
حينهـا ضربت سيليا وجنتيها بخفة كي تجلس بجـانب ابنتها قد بدى عليها الارتباك نوعا ما فـماري لم تتحدث معها أبدا و لطالما كانت مـاري ابنتهما
المطيعة التي تنصت إلى أي شيء يأمرانها به دون أن تعترض حتى قررت إعلان تمردها للجميع و غـادرت المنزل تـزوجت من نايت رغم رفضهاّ و هاهي
تخبرها الآن بأنها تحب شخصا آخر غير زوجـها ؟ أخذت شهيقا محاولة تـهدئ أعصابها قبل أن تتحدث بحيرة
ـ لكن مـا الذي تقولينه ؟ أنا لا أفهم شيئا ؟
قطبت مـاري حاجبيها و هي تتأوه بـضجر أيجب عليها سرد القـصة منذ البـداية ؟ إنها لا تـرغب في فعل ذلك مجـددا و مـجددا تنهدت و نـظرت في كل مكان
عدى والدتها قبل أن تتحدث بضحكة خفيفة
ـ أتتذكرين لما كان والدي يحب تـلك المـرأة و أنت تـحبينه و بالرغم من محاولاتك العـديدة في كسب حبه قد فـشلت ؟ و غـادرت ؟ حسنـا قصتي شبيهة
لقصتك تـماما غير أنها معقدة قليلاّ
شهـقت سيليا بصدمة قد شحب وجهها كليا أهـذا يعني أن نايت يحب إمرأة أخرى ؟ إن كان ذلك و ابنتها تحبـه تسعى لكسبه إلى جانبها ؟ تغـيرت ملامحها
كليا و أشاحت بوجهها بعيدا لا تزال ذكرى جوناثان تؤلمها كلمـا طرأ على بالها كـم هذا مؤسف فحتى الوقت لم يشفي جراحها المفـتوحةّ ، لما هزت ماري
كتفيها بـعدم اهتمام كأنها فقدت الـرغبة في كل شيء و هي تبتسم بخـفة كعادتها قـائلة
ـ لقد تقبلت الواقـع .. أيضا أمي هناك شيء آخر أريد إخبـارك به
نـزلت دموعها دون إنذار على وجنتيها كاتمة صوت بكائها كي لا تسمـعه ابنتهاّ قد أومأت إيجابا تـطلب منها أن تكمل كلامها حينها ضحكـتّ ماري بخفة
و هي تـكز خصر والدتها قـائلة بنبرة مـرحة
ـ يبدوا أن فـلورا قد وقعت في الـحب .. أستطيع أن أسمع رنين أجراس الـزفاف من الآن
التـزمت سيليا الصـمت تمسح دموعها بـكل لطف مبتسمة على مـزاح ماري ثم استـدارت ناحيتها كانت ابنتهـا الصغرى تشبهها في المـلامح و الصفـات
لكن ليس رباطة الجأش فلم تكن لديها هي أبدا صبـر مثلها أو وسعة صـدر كهذه بينـما وقفت مـاري بـخفة و هي تضع كلتا يديها في الأعلى محاولة أن
تبعد الكسل عـنها حينما تحدث سيليا بحـنان
ـ ماري تـعلمين دوما أنني أرحب بك في بيتي أليس كذلك ؟
هـزت رأسها نفيا رافـضة فـكرة الذهاب إلى بيت والدتها لا تستطيعّ أن تتدخل فقد فـعلت سيليا المستحيل لكي تنسى جوناثان كل شيء و جميع السبل حتى
أنها تخلت عن ابنتيها في سبيل ذلكّ لذا لم ترغب ماري أبدا في الاتصال بها أو طلب منها البقاء كانت تـريد الأفضل لوالدتها بينما فـلورا تألمت لفقدانها و
لطالما لامتهـا ، قـالت بـهدوء
ـ لا أمي أنا لن أهرب ليس مجـددا لأنني سوف أنهي الأمر للأبد ،
أخذت نفسا عـميقا كأنها و بفعلها لذلك تستجمع كل شجاعتهـا ثم استـدارت ناحية سيليا قبل أن تبتسم بـثـقة عينيها واسعتين تـحدقان بكل قـوة أمر غـريب
أن يصدر هذا التصرف المفعم بالـتحديّ من ابنتهـا الصغرى فزمت شفتيـها بقليل من غير الرضا إن كان زوجها أي كان اسمـه يحب إمراة أخرى فلا شيء
يدفعها للبقـاء بجانبه لأن ذلك لن يزيدها سوى ألمـا و معاناة غير أنها بالرغم من عدم موافقتها إلا أنها لا تمـلك الحق في الـرفض ، تنهدت بقلة حيلة و
هي تـضع باقة الـورود الحمراء على قبر جوناثان مبتسمـة بـحزن على ذكراه قـائلة
ـ كإمرأة مـت عليها هـذه التجربة فأنا أنصحك بالانسحاب قبل أن يزيد عمق ألمك ، لكن إن كنت واثقة مما ستفعلينه فـسوف أساندك ..
ابتسـمت ماري على كلاماتها بكل عـفوية قبل أن تضحك بـخفة نايت ليس بالـرجل الظالم الذي تظنه والدتها على الإطلاق بل عكس ذلك تـماما قد يكون بـاردا
ساخرا في معظم الأحيان لكنه يبالي بمن حوله يسعى لحـمايتهم حتى لو كان ذلك على حساب نفـسه فـكيف أن لا يزداد حبها له ؟ رجل مثـل هذا يجعل كيانها
ينقلب رأسا على عقب ، نـظرت نـاحية سـيليا بابتسـامة قـائلة
ـ حينـما يحين الـوقت المنـاسب ..
التزمت الصـمت لوهلة من الزمن قبل أن تتنهد كأنها تزيح هما ثقيلا عن كاهلها ثـم وجهت عينيها إلى قبر والدها جوناثان لم يكن والدا سيئا أيضـا لقد
علمت هذا في النهاية فقد كان يريد حمايتهما بطريقته الخاصة لم تـفهمه ماري أبدا و لم يتسنى لها رؤيته في آخر لحـظاته ضحكت بـخفة الندم الذي تحمله
نحوه لن يغـادرها أبدا ، نـدم لأنها هربـت و لم تستمع إليه قط لأنها تـمردت عليه بينما كان هو يحاول حمايتها ذلك قـاسي لكنه الـواقع الذي عليها تقبله ،
تـحدثت ماري فجـأة بهدوء
ـ هـناك معـروف أريد منك أن تنفـذيه لي فـهلا فعلت ؟
استـدارت ماري نـاحية والدتها تنـظر نحوها بتصميم شـديد بإرادة غـريبةّ و ابتسـامة واثقة جعلت سيليا تحتار أكثـر لكنها لم تـرفض طلبها بل كـانت سعيدة
بأي طلب كانت ستخبرها به ماري إنها المرة الأولى التي تشعر بحاجة ابنتيها لها و لن تخيب ظنهما ..
بعد مدة كانت قد غادرت خلالها سيليا مودعـة إياها بابتسامة خفيفة للغـايةّ بينمـا أخفضت ماري مظلتها كي تغلقها بإحكام بقيت تنـظر لوهلة من الزمن إلى
قبر والدها بكل صمت ثم تنهدت كان من الأحسن لها أن تجلب فلورا لكن أردات من لقائها بوالدتها أن يبقى سرا بينهما لذا فضلت الذهاب لوحدهـا ، كانت
هذه هي وجهتها الثـانية بعد المستشفى ..

لا يجب القول لا لفخامته(منـقولة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن