شابتر الرابع والعشرين-أيتهـّا الغـّالية لقدّ حـّان وقتّ الـّرحيـّل -

2.3K 117 16
                                    

خلفّ سّحب لندّن الداّكنة و جّوهاّ الممطـّر عندّما دّوى صّوت الرّعد شّاقّا طّريقّه بينّ السماءّ و تسّاقطتّ الثّلوجّ
بّغزارةّ معّرقلةّ الطّرقّات حيّن دّخل نايتّ منّ بّوابةّ القّصرّ راكناّ سّيارتهّ أمامّ المدّخلّ ثمّ خرجّ بّهدوءّ و بخـّطواتّ
كّسولة اتجّه إلىّ جّناحّه فيّ الطـّابقّ الثّانيّ عبّر المصّعدّ ، بّعدّ دّقائّق كاّن يّغلّق البّاب خّلفه ، رمّى سترتهّ علىّ الأريكّة
السوداّء و سحّب قّميصّا أزرقّ اللونّ داكنّ ليّرتديّه تّاركاّ أزراّره العّلوية مّفتوحّة ،
وجّه عينيهّ الحادّتين إلّى ماريّ الممدّدّة بّلا حرّكة فّلم تستيقّظ منذّ ماّ يّقاربّ يومينّ ، منذّ ماّ أنّ أحقنتهاّ الممرّضة بالإبّرة
المخدّرة و كمّ أنبهاّ الطّبيبّ على فعلهاّ المتّسرع فّلاّ يجدرّ أبداّ تخديرّ شخصّ استيقّظ توهّ منّ غيبوبةّ قدّ تكونّ دائمّة ، أشّار
بيدّه فّشّغل تلّفازّ لتظهرّ قناّة الأخبّار كانّ موضوّع حديّثهاّ هذّه المرّة هوّ كميّة الثّلوجّ الغّزيرة ثمّ سّارّ إلىّ تلكّ الثلاجّة الصّغيرة
و أخرجّ علبّة صّغيرة فتّحها ليرتّشف القّليلّ منّ شّرابّ
فتحّ حّاسوبهّ المحّمول و إتجّه إلىّ الأريكـّة لّيرميّ قميصّه و سترتهّ أرضّا مفّسحاّ المكانّ لجّلوسه ، فأخذّ يّفتحّ عدّة ملّفاتّ كلهاّ
منحّنيات تظهرّ نسبّة تصديّر الشّركة و الأسهمّ أيضّا كماّ أنه قّام بّنسخّ العقودّ التيّ من المفترضّ الموافقّة عليهاّ الشهرّ القادّم
كيّ يّدققّ النظرّ فيّ بياناتهاّ و يّحرصّ البحثّ فيّ خلفيّات الشّركاتّ كيّ لاّ تعادّ حادثّة شركةّ جونسونّ مجدداّ
تّوقفت أنامله عنّ الضغطّ علىّ أزرار لوحّة المفاتيحّ لوهلة من الزمنّ عندّما صدرّ صّوت رنينّ من جهازهّ ففتحّ نافذةّ ماّ ليّعلوهاّ
صّورة قّديمة ماّ ، كاّنت لّرجل ماّ في نهاية العشرينيات يبّتسمّ بكلّ ثّقة و غـّرور نـّاحية الكّاميرا كتبّ أسّفله بّخط أسودّ واضّح ،
بداّية الانتقام فّزفر نايت بكلّ كره منتقّدا تصّرفات ديميتريّ الحقودةّ و أكملّ عّمله متجّاهلا الإنذاّر الذيّ وصّله ، يبدواّ غيرّ مباليّا
أبداّ بّكون هذاّ الشّاب يهددهّ
بّعد مرورّ سّاعتينّ إزداد جّوّ لندّن بّرودة مرّافقةّ بّثّلوجّ غّزيرةّ و رّعد غيّر عاديّ ، قدّ كانّ نايتّ مركزاّ فيّ قّراءة المنحّنياتّ
و تحّليلهاّ عندّما دّوى صّراخّ ماريّ فّوجّه نظرّ بّسرعة ناّحيتهاّ ،
كـّانتّ تّصرخّ بّهستيّرية و هيّ تحـّاول الوقوفّ و كلمّة واحدّة قّد رفّضت أنّ تتركّ لسانهاّ إنهاّ النيّران و هي تلتهمّ كلّ شيءّ من
حولهاّ بداّية بّستائرّ إلىّ الخدّم و همّ يصّرخونّ بّألمّ رّعباّ و خوفّا منّ الموتّ ،
فّتقدّم مسّرعا إليهاّ و أمسكّها منّ ذّراعيها مثّبتا إيّاها قّبل أنّ تسقطّ منّ السّريرّ لكنّ و بقوةّ دّفعته جاّنبا علّى صدّره فتأوهّ بألمّ
لتتاحّ الفرّصة لهاّ ، استداّرت و سقطّّت علّى الأرضّ حـّاولت الحراكّ لكن قدّميها لمّ يّسعفانهاّ ، حـّاولت الصّراخ لكنّ ريّقها جاّف
و أرادتّ النظرّ لكنّها لمّ ترى سوىّ النيرانّ تلتهمّ الأخضّر و اليّابسّ من حولهاّ فّوضّعت يدّيها علىّ أذّنيها و أخذتّ تّصيحّ بصوتّ
خافتّ تأنّ له الّقلوب ،
نـظرّ إليهاّ نايتّ بعدمّ تّصديقّ ، كانتّ ماريّ مختلفة تماماّ ضّعيفة جداّ لدّرجة الهشاّشة أهذاّ كلّه صّنع تلكّ الحفّلة ؟ لمّ يدريّ تماماّ
ما الذيّ سيّفيد فيّ هذه الحاّلة فّبّخطّواتّ مترددةّ اقتربّ منهاّ و لفّ ذّراعيه حولهاّ ، لتسندّ رأسهاّ علىّ صدره ثمّ تحدثّ بنبرة خاّفتة مبحوحةّ
ـ ماريّ ،
شهقتّ و نـظرّت إليهّ فانقشع غّشاءّ النيرانّ منّ بينّ جّفونهاّ لتتساقطّ دموعهاّ الحاّرقة على وجّنتيهاّ أخيـّرا استطاعتّ أن تجّده ،
فّلفتّ هيّ الآخرى ذّراعيها حولّ رقّبته متمسكةّ بشدةّ به ، كاّنت تّشهقّ باستمرار غيرّ مصدّقة لكونه سّالما بّخيرّ ،
صّاحت به بنبرة بّاكية
ـ يّا إلهي ، لقدّ كانّ كاّبوساّ مروعّا ، كنتّ أبحثّ عنكّ فيّ كل مكان و لم أستطّع أنّ أجدّك .. أناّ شّاكرة نايتّ ، أنـّا شّاكرة
لمّ يتحدثّ بّل اكتفى بالصمتّ فقطّ و ماّ العذرّ الذيّ قدّ يجدّه ؟ عندّما تداّركتّ نفسهاّ ابتعدتّ عنه بّمسافة كاّفية ، أخفضت رأسهاّ للأسّفل
و قامتّ بمسحّ دموعهاّ بّكل إحراجّ ثمّ عادتّ تنظرّ إليه بعينيهاّ الواسعتينّ و أمسكتّ بيدّيه فّعلت شفتيهاّ ابتسامةّ بالرغمّ من مقاومتهاّ
لدموعهاّ إلاّ أنها عادتّ تتخطّ وجنتيهاّ خطاّ لرحلتهاّ فّتحدثتّ مجدداّ بّنبرة متحشرجة
ـ هذاّ يبدّوا غّريباّ ،
رفّعت يدّيها لمستوى عّينيهاّ تنـظرّ إليهماّ بّكل تعجبّ كاّنتا ملفوفتينّ بّضّماداتّ كذّلك قدّميهاّ، حّاولت تّحريكهماّ لكنّ كأنهماّ لم تّعدا جّزءا
من جسّدها فّشحبّ وجههاّ بأكمله، كيفّ نست ذّلك ؟ لقدّ أرداتّ أن تنقذّ كايلّ بشدةّ فّدفعت نفسها أمام ذلك البابّ الفولاذي ليسقطّ عليهاّ ،
أرادتّ أنّ تجدّ نايتّ بّكل ما تّملكه منّ إرادة لكنّها لمّ تجدّه ، فّتحدثّ نايتّ بّهدوء عندّما لاحظّ ملامحّ الصدّمة التيّ غزتّ كل ركنّ بهاّ
ـ ماريّ ، هلّ تتذّكرين آخرّ ماّ فعلته ؟
بالطبّع تتذّكر و كيفّ لها أن تّنسى بينماّ كلّ شيء يمرّ أمامهاّ كّمنبه حيّ لألمهاّ ؟ يّعيدّ الحزنّ لقّلبها كلما حاّولت تناسيهّ ، صمتتّ لّمدةّ طّويلة
قّاومتّ فيهاّ رّغبتها الشديدّة بالصّراخ ، أرداتّ أنّ تلومه على تّركهاّ ، أنّ تلومه علىّ حبّه لّغيرهاّ لكنّها و لأنهاّ ماريّ فّلم تستطعّ فعّل ذلكّ ،
فاكتفت شفتيهاّ بّصمتّ مطّبق محكمّ بينماّ تهاوتّ الدّموع منّ رموشهاّ الطّويلة إلىّ أسّفلّ خدّها ، أومأتّ بالإيجابّ ثمّ نـظرتّ إليه بّعينين
فّارغتينّ تّعكسان مدىّ عمقّ جّرحهاّ ، تحدثتّ بنبرة مبحوحةّ فيّ حين لاّ زالت تذّرف دموعاّ
ـ أخبرنيّ نايتّ ، إن سألتك بالرفقّ على قلبيّ فهلا فعلتّ ؟
استغّرب كلّماتهاّ و رمقّها بنظرّة تّوحي بّمدى عدمّ فهمه جملتهاّ هذه فهلّ صدّمتهاّ فّعدم قدّرتها لسيّر جّعلتها تتفوهّ بكّلمات لاّ معنى لهاّ ؟
غيرّ أنهاّ اقتربتّ منه مجدداّ ثمّ لفّت ذّراعيهاّ حول رّقبته و وضعتّ دقّات قّلبها المسرعةّ بجاّنب أذّنه تماماّ ، ثمّ همستّ بّكل صدقّ
ـ إرفقّ عليه نايتّ ،
حينّ فتحّ بابّ الجـّناح لّيدخلّ كّل منّ كايلّ و إليّزابيثّ بّرفقتهماّ فرانسواّ الذيّ يبدّوا معاّرضاّ لتواجدّهما فيّ هذه اللحـّظة لكنهّ تّركهماّ
يدّخلانّ بّغيرّ رضي ، فّإتجّه الثّلاثة إلّى حيّثماّ كان نايتّ و ماريّ جالسّان لتّتحدثّ إليزابيثّ بّنبرة غّامضة
ـ ماّ الأمرّ ؟ لقدّ سمّعنا صّراخ ماريّ منّ آخر الطاّبق و آتيناّ لتفقدّ الأمرّ ، ماذاّ بهاّ ؟ هلّ علمتّ أنهاّ فقدتّ قّدرتها على السيّر بعدّ ؟
زفرّ كايلّ بكلّ حدةّ و نـظّر إليهاّ بّغضبّ منّ نبرتهاّ المستهزئة و الملّيئة بّشتى أنواعّ الاستمتاعّ كأنّ لذّتها الوحيدةّ تكمنّ فيّ تعاّسة
غيّرهاّ فّتقدّم هو ناحيّة ماريّ التيّ قدّ تركتّ نايتّ لتوهاّ ، ابتسمتّ بّهدوء إلىّ كايلّ الذيّ يّبدوا خاّئفّا من ردّة فعلهاّ
و أجاّبت إليّزابيثّ بّضحكة
ـ أجلّ ، أعلمّ إنهّ ليسّ مخيفاّ حقاّ عدمّ السيرّ فّسوف يتسنى ليّ الجلوسّ فيّ كرسيّ متحرك طّوال الوقتّ و التكاسلّ ،
تنهدّ كايلّ بّراحة ، كاّن خاّئفاّ من نّدمها علىّ إنقاذّه و منّ دّفعها ثّمن سّيرهاّ لّحياتهّ لكنهاّ بدتّ متقبلةّ الأمرّ بّصدر رحبّ كأنّ ذلك الوحشّ
الذيّ استيقظ فيّ المستشفى لمّ يوجدّ قطّ ، أمّ هيّ ربماّ تكبحّ رغّبتها فيّ الصّراخ ؟ لمّ يستطعّ فّهمّها فّوجه حديثّه ذّو صوتّ الباّرد ناحيّة نايتّ
ـ هلّ زوجتكّ بّخيرّ ؟
عندّما لمّ يجدّ ردّا من نايتّ ظنّ كعّادته أنهّ يتجاهلهّ فّوضعّ يدّه على كتفّ نايتّ ليجعله يواجّهه لماّ لمحّ شّحوب ملامحّه مصّدوما غيرّ قّادر
على الرّد ، عيّنين بّاهتتينّ قدّ حّجب رؤيتهماّ شعره الّأسود الكثيفّ الذيّ غزى جبّهته فّحملّ ماريّ بّكل هدوء و جّعلها تستلقي على السّريرّ
ليّقومّ بوضع الغطاّء الدافئ فّوقها ، نـظرّ إليهاّ لمدّة ثمّ قّال بّكل برودّ
ـ تّوقفيّ عنّ هذه التصّرفات المجنونةّ ماريّ ، فـرانسواّ دّلهم علىّ المخرجّ أيضاّ قمّ بإرسالّ سوزي للإشّراف على حاّلتها ،
ثمّ رفعّ معطفّه لّيرتديه مسّرعاّ و بخـطّوات خافتّة تّضاهي ريّاح فيّ سكونهاّ غاّدر ، بينماّ بقيّ كايلّ واقفّا مكانهّ يحدقّ به بكلّ دّهشة فّقد
تّرك زوجته التيّ أدركتّ تواّ أنهاّ فقدّت أهم شيءّ بحّياتها لوحدّها و التيّ استيقظت توهاّ من الغّيبوبة لوحدّها لاّ بلّ لم يكتفيّ بّذلك بّل حتىّ
قام بّتأنيبهاّ ، لماذاّ بّمرور الأيّام يّدرك أكثرّ فأكثرّ أنّ وجودّ ماريّ بجاّنب نايتّ ليس سوى محضّ تّنويه عنّ مخططّاته بينماّ المسكينة الآخيرة
تّجاريه ، فّأمسك بذّراع إليزابيثّ و سحّبها خاّرجا قبلّ أنّ يقوم فرانسوا بّطردّهما
هذاّ هو نوعّ الرجالّ الذيّ تحبّه إليزابيثّ ؟ كيفّ أمكنهاّ أن تتّركه من أجلّ رجلّ إنّ صح القّول فّربماّ آلة مثّله ، لاّ يتألم لا يحزنّ و لا يباليّ
بالناسّ الذينّ يّبذّلون جهدّهم من حوله لمجاّراته فقطّ ، فّعقدّ حاجبّيه بّحقد و قدّ زادّ تّصميمه علىّ تحطيم نايتّ أكثرّ ، شخصّ مثّله لا يستحقّ الحيّاة

لا يجب القول لا لفخامته(منـقولة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن