خرج آخر ضيف فى الحفلة فأغلقت الخادمة الباب خلفه .. كانت العائلة مازالت مجتمعه فى الغرفة التى أقاموا بها الحفل الصغير .. قبلت "نهال" وجنتى "عدنان" وقالت :
- تسلم يا عمو فرحت أوى بالحفلة دى ربنا ما يحرمنى منك
ابتسم "عدنان "وهو ينظر اليهم جميعاً فى حنان ويقول :
- تعرفوا يا ولاد بفرح أوى لما بشوفكوا متجمعين حوليا
ثم تحولت نظرته الى الحزن وقال :
- من يوم ما فقدت زوجتى وابنى وأنا كنت حاسس انى وحيد أوى فى الدنيا دى .. لحد ما جمعتكوا حوليا .. يومها حسيت ان ابنى لسه عايش .. وبشوفه فى كل واحد فيكوا .. وبحبكوا أكنكوا ولادى من صلبى مش بس ولاد أخواتى
اقترب منه "مهند" مربتاً على كتفه قائلاً :
- واحنا كمان يا عمى بنعتبرك كأب لينا
ثم التفت ينظر الى "فريدة" قائلاً :
- بالذات أنا و "فريدة" بنعتبرك بجد أب لينا
صدقت "فريدة" على كلام "مهند" قائله وهى تنظر الى "عدنان" فى تأثر :
- فعلاً يا عمى .. من يوم ما بابا وماما اتوفوا محدش حن علينا أنا وأخويا "مهند" زيك كده .. ومن يوم ما جبتنا نعيش معاك هنا وأنا بحس اننا فعلاً ولادك .. يمكن "نهال" و "نهاد" و "علاء" بيحبوك وبيعتبروك مثل أعلى ليهم .. بس هما ربنا يبارك فى والدهم ووالدتهم لسه عايشين وما داقوش مرارة اليتم زيي أنا و "مهند" .. عشان كدة أنا حسه أد ايه اننا فى نعمة اننا نبأه تحت وصايتك ورعايتك
ألقى عليها "علاء" نظرة ساخرة بينما قال "نهاد" :
- فعلاً يا عمى كلنا بنعتبرك أب ومثل أعلى لينا
اتسعت ابتسامة "انعام" وهى تنظر اليهم جميعاً وقد غلبتها عبراتها فترقرت فى عينيها وهى تقول :
- الكلام ده كله لعمو "عدنان" .. طيب مفيش حاجة لعمتو "انعام"
أقبلت عليها "نهال" فى مرة مقبله اياها قائله :
- ازاى بأه يا عمتو .. ده احنا كلنا كده من غيرك ولا حاجة خالص
ابتسمت وهى تربت على رأسها قائله :
- ربنا يبارك فيكوا يا "نهال"
أشارت "بيسان" لـ "نهاد" فأسرع يمسك يدها ليعينها على النهوض .. قالت والنوم يداعب جفونها :
- معلش يا جماعة بس أنا تعبت النهاردة ومحتاجه أرتاح
قالت "انعام" على الفور :
- طبعاً يا حبيبتى اتفضلى اطلعى ارتاحى
قالت "بيسان" وهى تلتقط حقيبتها :
- معلش يا طنط أنا حبه أروح أنا و "نهاد" بيتنا
قال "عدنان" فى استنكار :
- ليه يا "بيسان" الوقت اتأخر وانتى عارفه ان فى الفيلا أوض كتير فاضية .. باتوا هنا وبعدين ابقوا روحوا الصبح
اعتذرت قائله :
- معلش يا عمو بس فعلاً أنا حبه أروح البيت
قال "نهاد" على الفور :
- خلاص يا عمى مفيش مشكلة نروح البيت وان شاء الله نجيلكوا بكرة
قالت عمته محذره :
- لا بلاش تخرجها بكرة يا "نهاد" خليها مرتاحه خاصه انكوا لسه راجعين من السفر النهاردة .. يلا خد مراتك وروحها
ثم نظرت الى "بيسان" مقبلة اياها وهى تقول :
- هبأه أتصل بيكي الصبح أطمن عليكي يا حبيبتى
- شكراً يا طنط
رحل "نهاد" مع زوجته مودعاً الجميع .. توجه الى سيارتهما فقال لـ "بيسان" وهو يعاونها على ركوب السيارة :
- مكنا استنينا هنا يا حبيبتى وروحنا بكرة
قالت "بيسان" بضيق :
- لأ عايزه أروح .. انت عارف انى مبرتحش وآخد راحتى الا فى بيتنا
ابتسم "نهاد" ونظر اليها من شباك السيارة بعدما أغلق الباب وقال :
- ولا يهمك يا حبيبتى .. متضيقيش نفسك
نظرت اليه معتذره وهى تقول :
- معلش يا "نهاد" استحملنى .. أنا الحمل مخليني حساسه أوى ودمعتى قريبه
أومأ برأسه وأظهر لها تفهماً أسعدها ورسم بسمة على ثغرهاقالت "نعام" موجهة حديثها لـ "علاء" و "نهال" :
- اوعوا تقولولى انتوا كمان انكوا عايزين تروحوا .. بابا وماما مسافرين مش معقول هتعدوا فى البيت لوحدكوا .. خليكوا معانا هنا
قالت "نهال" على الفور وهى ترمق "مهند" الواقف مع "عدنان" مندمجاً فى الحديث معه :
- طبعاً يا عمتو هنستنى هنا .. زى ما حضرتك قولتى بابا و ماما مسافرين فخلينا هنا أحسن
نهصت "انعام" بإعياء وقالت :
- أنا سهرت النهاردة أوى يلا يا ولاد تصبحوا على خير
نهضت "فريدة" وقالت وهى تسير بجوارها :
- أنا كمان هطلع أنام .. تصبحوا على خيرجلست "نهال" فى مكانها تتظاهر باللعب فى الموبايل بينما كانت ترمق "مهند" بنظراتها من حين لآخر .. بعد لحظات استأذنهم "عدنان" للصعود الى غرفته .. أغلق "مهند" باب الشرفة ثم نظر الى "علاء" و "نهال" قائلاً :
- تصبحوا على خير
توجه الى بداية الدرج للصعود الى غرفته فأوقفه "علاء" ممسكاً ذراعه فى يده .. التفت "مهند" ينظر الى ذراع "علاء" الممسكة به .. ثم نظر اليه ليجد نظرة تحدى فى عينه وهو يقول متهكماً :
- اوعى تكون فاكر بالكلمتين الحلوين اللى قولتهم انت وأختك من شويه هتعرف تضحك على دماغ عمك وتطلعنا من المولد بلا حمص .. انسى يا "مهند"
ازدادت حدة نظرات "مهند" الثاقبة المسلطة على عيني "علاء" .. وبدون أن تتباعد أعينهما أزاح "مهند" يد "علاء" بحزم قبل أن يلتفت ليصعد الى غرفته دون أن يتحدث ببنت شفه .. شعر "علاء" بالغيظ وهو يتابعه بنظراته .. أتت "نهال" من خلفه قائله بضيق :
- ليه قولتله الكلام ده يا "علاء" .. ليه تضايقه كده
نظر اليها "علاء" بحده قائلاً :
- وانتى مالك انتى .. يلا اطلعى نامى
ثم توجه الى الباب الخارجى فهتفت "نهال" بإستنكار :
- انت مش هتنام
التفت اليها قبل أن يخرج ليقول بسخرية :
- ليه هو أنا زيكوا .. فى حد ينام دلوقتى .. دى السهرة لسه بتبتدى
أغلق الباب خلفه .. فصعدت "نهال" الى الغرفة التى خصصها عمها لها بالذات كلما أرادت المبيت فى الفيلادخل "مهند" الى غرفته التى تتميز ببساطه أثاثها .. خلع الجاكت وفتح نافذة الشرفه ووقف بها قليلاً مستنداً الى السور بقبضتى يده .. ألقى نظرة فى الأسفل على "علاء" الذى ركب سيارته وانطلق بها خارج أسوار الفيلا .. ضاقت عيناه وهو يتابعه بنظرات غاضبه .. ثم التفت الى القمر الذى زين السماء بطلته وحلته الفضية .. بدا شارداً .. مهموماً .. كما لو كان يحمل عبئاً ثقيلاً فوق عاتقيه .. أفاق من شروده على دقات صغيره على بابه .. دخل غرفته وفتح الباب ليفاجئ بـ "نهال" .. التى وقفت تنظر اليه مبتسمه .. عقد جبينه وهو ينظر اليها ..فقالت وهى تقدم له ما بيديها :
- أنا جبت هدية لكل واحد فى العيلة .. ودى هديتك يا "مهند"
نظر "مهند" الى الهدية بمزيج من الضيق والتردد .. ثم أخذها من يدها وقال دون أن ينظر اليها :
- متشكر يا "نهال"
اتسعت باتسامتها كما لو كان أسمعها قصيدة غزل .. خط خطوة الى الخلف وهم بغلق الباب قائلاً :
- بعد اذنك يا "نهال" .. الوقت متأخر ميصحش نقف نتكلم مع بعض كده
اختفت ابتسامتها وبلعت ريقها بصعوبه بينما احتمرت وجنتاها وهى تقول :
- آه طبعاً .. أنا بس كنت عايزه أديلك الهدية .. تصبح على خير
أومأ برأسه دون أن ينظر اليها .. أغلق الباب .. نظر للحظه الى العلبة التى يحملها بيده .. ثم وضعها بلامبالاة على احدى الطاولات .. وعاد الى مكانه فى الشرفة .. يسبح بخياله مرة أخرى بين القمر والنجوم !بينما كانت "سمر" نائمة تسبح فى أحلامها سمعت صرخات مدوية تملأ المكان .. هبت جالسه على فراشها فى هلع .. وأرهفت أذنيها لتجد أن مصدر هذا الصوت .. هو غرفة والدها و "فيروز" !
