سمع جون صوتُ طرقٍ وصياح مرتفع يصدر من غرفة والدته في الطابق العلوي، والتي ظلت بداخلها لفترةٍ طويلة بلا طعام ولا شراب، تسوء حالتها اكثر فأكثر كل يوم، نظر جون إلى أخيه جوناس في تعجب وقلق، وكان جون وجوناس توأماً متماثلاً، يكاد الناس لا يستطيعون التفرقة بينهما إلا بهذا الفارق القليل في الطول، حيث أن جوناس أطول من أخيه ببضعة سنتيمترات..
" انه اليوم الثالث لها على التوالي بهذا الشكل.. ماذا سنفعل؟ " قال جون لأخيه..
- " هل تكلمت مع السيد مايكل بشأنها؟ لقد قال أنه يعرف شخصاً قد يساعد "
- " نعم، فعلت.. برغم أني أستبعد فكرة أنه سيستطيع مساعدتنا " قال جون وهو يرمي جسده إلى كرسيه المفضل المريح في منتصف غرفة الجلوس ينظر إلى درجات السلم القريبة المؤدية إلى الدور العلوي، ثم استأنف كلامه قائلاً : " أعلم أن أي شئ سيكون أفضل من هذا الوضع، أنا لا أستطيع تحمل ذلك الصراخ بعد الآن .. "
- " أعلم بما تشعر يا أخي.. نظرات الجيران في الحي تشعرني بعدم الارتياح في معظم الاحيان، لكن علينا أن نصمد من أجل أمي، وأنا لا أستطيع أن أفعل ذلك وحدي .. "
- " على كل حال.. لقد قال السيد مايكل أنه سيرسل شخصاً قد يساعد بهذا الشأن .. من المحتمل أن يصل اليوم "
- " لننتظر ونرَ "
قاطع حديث الأخوين صوت صراخ مرتفع مدوٍ يصدر من الطابق العلوي تبعه صوت ارتطام وطرق مرتفع على جدران الغرفة.. نظر كل منهما إلى الاخر في قلق قبل أن يغادر جوناس غرفة الجلوس تاركاً جون يغوص وحيداً وسط صرخات والدته المرعبة.
( ماذا سيحدث ان لم يستطع ذلك الرجل شفاء والدتي؟ إلى متى سيستمر هذا الحال؟ لقد بدأت نظرات الجيران إلى نافذة غرفة أمي تقلقني.. لماذا لا يستمع إلي جوناس فحسب؟ لماذا لا نرسلها إلى دارٍ عنايةٍ أو شيئاً من هذا القبيل؟ ) قال جون في عقله.. يتخلل حديثه صوت الصراخ الصادر من الدور العلوي، ذلك الصراخ الذي لم يتوقف منذ ثلاثة أيام، صوتٌ مرتفع النبرةِ أحياناً ومنخفض أحياناً اخرى يتغير ذلك الصوت ليلاً وصباحاً لكنه يستمر بالصراخ، ويظل السؤال يدور في عقله، ما سبب هذه الحالة؟
مرت بضع دقائق قبل أن يسمع جون صوت طرقٍ خافت على الباب الامامي، والذي ميزه بصعوبةٍ عن ذلك الطرق الصادر من الدور العلوي، أسرع جون إلى الباب ليجد رجلاً في مقتبل الثلاثين من عمره، حسن المنظر، شعره داكن اللون يميل للون البني، يرتدي معطفاً أسود طويلاً يتساقط منه الماء بسبب المطر، ويحمل حقيبة صغيرة سوداء من الجلد، قال الرجل : " مرحباً، لابد أنك جون؟ "
- " بالفعل، تفضل "
- " أنا الدكتور جورج، لقد أخطرني السيد مايكل بأنكم بحاجة إلى المساعدة " قال الرجل وهو يخطو إلى داخل المنزل.
- " بالتأكيد، مرحباً بك .. تفضل من هنا " تبع السيد جورج جون إلى داخل غرفة الجلوس يتأملها بحرص، متغاضياً عن صوت الصراخ المنتشر في أرجاء المنزل، والذي ازدادت حدته قليلاً في اللحظات الاخيرة، ثم جلس إلى الاريكة بجوار الكرسي المفضل لجون في منتصف الغرفة، وقال بصوت هادئ وكأنما يتجاهل صوت الصراخ : " حسناً، أخبرني الآن، منذ متى وهي على هذه الحال؟ " رد جون بصوت متقطع يملؤه القلق : " حوالي ثلاثة أيام "
- " هل تتكرر هذه الحالة كثيراً ؟ "
- " كلا، كلا، هذه المرة الأولى التي يحدث فيها هذا "
- " جيد جداً، هل تذكر المرة الاخيرة التي كانت فيها بحالةٍ جيدة؟ "
- " بالتأكيد "
- " هل تستطيع أن تخبرني إن حدث أي شئ قد يصيبها بالصدمة؟ ربما وفاة احد اقاربها او شئ من هذا القبيل؟ "
- " لا .. لم يحدث أي شئ ابداً "
- " همم، حسناً " أخرج السيد جورج من كتيباً صغيراً من جيبه، وأخذ يكتب بعض الاشياء ويتمتم بكلمات خافته لم يتبين جون منها شيئاً، مرت بضع لحظات قبل ان يستدير السيد جورج تجاه جون ويقول : " علي أن أفحصها الآن "
- " لا .. لا أعتقد أن هذه فكرة جيدة "
- " لماذا؟ "
- " لقد حاولنا مساعدتها بشتى الطرق، أعددنا لها الطعام وأحضرنا لها الدواء لكنها تأبى أن تستمع لي أو لأخي بأي شكل من الأشكال، حاول أخي بالأمس أن يتحدث معها قليلاً ويقنعها بتناول بعض الطعام، لكنها ظلت تصرخ فيه وجرحته بأظافرها، أخشى أن يتكرر ذلك الأمر مرة أخرى "- " أين هو أخاك الآن؟ "
- " لقد غادر منذ قليل، أعتقد أنه ذهب لينال قسطاً من الراحة أو شيئاً ما "
- " حسناً .. لكنك تعلم أني لا أستطيع المساعدة بدون أن أراها بنفسي، أليس كذلك؟ "
- " بالتأكيد.. " قال جون بصوت متوتر.
- " لا تقلق.. لقد أحضرت بعض الأقراص التي ستساعدها على الهدوء لبعض الوقت، كل شئ سيكون على ما يرام "
- " أتمنى هذا " تقدم السيد جورج صاعداً درجات السلم المؤدي للطابق العلوي ببطء، يتبعه جون في حذر وترقب شديدين، لا يدري ماذا سيحدث، لا يدري ان كان السيد جورج سيستطيع حقاً شفاء والدته، يتمنى أن يعود كل شئ لطبيعته قبل أن تصيب والدته هذه الحالة، صعد الثنائي الدرج ببطء، كل خطوةٍ يرتفع معها حدة الصوت ويقترب معها صدى الصراخ، حتى وصلا إلى الباب الخشبي، طرق السيد جورج على الباب ثلاث طرقات خفيفة قبل أن ينقطع الصوت فجأة ويتوقف الطرق على الجدران الخشبية بداخل الغرفة، وقف جون مندهشاً مذهولاً، نظر إلى السيد جورج فوجده يتمتم بكلمات خافته لا يسمعها، قبل ان يدفع الباب ببطءٍ مصدراً صوت أزيز خافت كسر الصمت الذي غاب عن هذا المنزل لفترةٍ طويلة، نظر جون إلى السيد جورج مرةً أخرى مذهولاً مما يحدث، ( هل سيستطيع حقاً شفاءها ؟! )
أنت تقرأ
التوأم
Gizem / Gerilimأخوان يعيشان مع والدتهما في بيت صغير على حدود مدينة نوتينجهام الانجليزيه.. يبدأ الأخوين بملاحظة أشياء غريبة تحدث حولهما بعد أن أصيبت والدتهما بمرض غريب أطرحها الفراش ليكتشفا لاحقاً سراً مظلماً يطاردهما من الماضي..