مُــسـاعَــدَه

1.3K 26 7
                                        









صوت الصرير الحادّ للباب الحديدي يشقّ السكون كأنه ينفض عن المكان آخر ذرات الطمأنينة
ثم تلاه ارتطام شيء على الأرض المبتلّة
لا حاجة للتخمين. أعرف وقع الأجساد جيدًا
تعلمت ذلك من زمنٍ لم أعد أرغب في تذكّره

لم ألتفت أولًا
كنت أبحث فقط عن سبب واحد يجعلني لا أعود للوراء
أي سبب يذكّرني أنني لا أريد أن أكون ذلك الرجل الذي يساعد الغرباء

ومع ذلك .. لم يكن هناك صوت خلف الباب

ثم جاء الهمس:
"أ... أرجوك... ساعدني..."

نزل بصري بتثاقل، وكأن شيئًا في داخلي كان يقاوم النظر
شاب هزيل، بدلته الرسمية لم تعد سوى بقايا قماش يلتصق بجسده ممزقة، ملوّثة بدماء كثيرة
الدماء ذاتها التي لطالما التصقت بماضيّ، وبذاك الرجل الذي علّمني الخوف والغضب

نظر إلي بعينين زرقاوين، نظرة أعرفها جيدًا
نظرة الضعف
نظرة الرجاء

قلت لنفسي بصرامة:
لا، آسر... لن تعود. لن تكرر خطأ الماضي

استدرت فورًا متجهًا إلى سيارتي
لم يكن في قلبي سوى رفض
وضيق يكاد يخنق صدري

لكن تأوّهًا مكتوماً خرج منه
مرّ إلى داخلي كإبرة
ليس لأنه يؤلمني، بل لأنه يعرف كيف يعيد بعض الذكريات على الرفوف المليئة بالغبار

لعنت قلبي الذي لا يموت رغم محاولاتي

تمتمت:
"آسر... ابتعد.... لا تعد."
لكن الضمير أحيانًا أوقح من أن يصمت

عدت إليه رغمًا عني
كان يستند إلى الجدار، يحاول إيقاف نزيف خاصرته، النزيف الذي لم يكن غريبًا عني
رائحة الدم التي أعرفها أكثر مما أعرف رائحة منزلي

ساعدته، فصرخ حين أمسكت ذراعه المصابة
نقلت يدي إلى الأخرى، وفي تلك اللحظة سمعت أصواتًا غاضبة خلف الباب؛ أصوات رجال... من نوع أعرفه

.

.

هذا آخر ما كان ينقصني !

ومع ذلك
لم أتركه

لأني ، لا أستطيع أن أكون مثلهم

حملته كأن جسده لا وزن له، وركضت إلى السيارة
سقط المفتاح
وسقط المسكين من بين ذراعي عند محاولتي إستعادة مفتاحي
واللعنة، وكأن الماضي يسخر مني

وضعتُه على المقعد، رغم التأوهات التي يحاول كتمها
، أدرت المحرك وانطلقت
راقبت المرآة... لا أحد خرج من ذلك الباب
انعطفت عدة مرات حتى تأكدت أن لا أحد يتتبعني

مجرّد اقتراب الخطر جعل صدري يضيق
ليس لأنهم يطاردونني، بل لأنهم يشبهون من جعل حياتي جحيمًا

حين توقفت أمام المستشفى، همس:
"سيجدونني... بالتأكيد"

أغلقت عيني للحظة

قلت له ببرود يشبه الرماد:
"إلى أين؟"

هز رأسه نافيًا كل شيء
لا أهل، لا أصدقاء، لا مكان

ناولته قميصي:
"اضغط على الجرح"

ثم قلت بنفاد صبر:
"إذًا ... الشرطة؟"

أجاب مذعورًا من الفكرة:
"لا! .. (برر ).....لأنهم... هناك"
.
.

أخرجت هاتفي واتصلت بالرجل الوحيد الذي سيلعن اليوم الذي عرفني فيه
جاء صوته المعتاد، المتهكم:
"ماذا تريد يا آسر؟"

قلت:
"في المنزل؟"

أجاب بسخريته:
"لا في جبال الهمالايا ، ماهي المصيبة هذه المرة؟"

ابتسمت نصف ابتسامة متعبة:
"معي لك هدية..."

أغلقت الخط.
ثم نظرت إلى الشاب... كان يغرق في الظلام
هل هو ميت ؟ اللعنه إنه لا يتحرك

لم أخف عليه... بل خفت على نفسي
سيارة الشرطة على جانب الطريق ،

لعنت غبائي لأنني وضعته في المقعد الأمامي
سيظن رجال الشرطة أنني قتلته!

ضربت المقود بغضب.
طريقي طويل، ووجهتي ليست قريبة

كان علي تغيير المسار
أقرب مكان منزلي

اللعنة......
كان هذا قدري منذ البداية
كل الطرق تنتهي به في منزلي



-------------
رأيكم ، تعليقاتكم
تسعدني
لاتنسوا ⭐️

الـضَّـوء الـمُـظْـلِـمْ  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن