عِــــلاجْ

650 24 28
                                        

كُلْما قاومتْ الوَحل سَيسحَبكْ أسْرَعْ










إنزلقت الإيطارات مصدرتًا صوت إحتكاك ، كأن السيارة تصرخ معي قبل أن تستسلم للمكابح أمام المنزل. امتدت يدي تبحث عن الهاتف، فتحت الباب بعجلة.. فارتدّ عليّ بقسوةٍ كفيلة بأن توقف العالم لثانيةٍ واحدة. ثم انهمر الألم، دفعةً واحدة، موجةً تجتاح ساقي اليسرى حتى سقطت خارج السيارة كمن تُسلب منه الحياة دفعة واحدة

إلى هنا يكفي.. بحق اللعنة، أشعر أن جسدي ينطفئ

كانت الخطوات القادمة نحوي كطبول تُقرع في صدري، قبل أن يخترق سمعي صوته الجهوري:

"أوه.. يا إلهي، هل أنت بخير؟"

غريب ! كيف يذوب الألم أحيانًا خوفًا من شهود؟
قفزت واقفًا، أغلقت باب السيارة كمن يغلق باب قبر، وارتسمت على وجهي ابتسامة واسعة ( واسعة حد الألم ) كأنها كمّامة تخفي ارتباكي

كل ما أريده  ، أن يتلاشى من أمامي الآن، قبل أن يتفكك ما تبقى مني

قلت بصوت مصطنع الارتياح:
"ههه... أهلاً يا عم... تعثرت فقط وأنا أبحث عن هاتفي... يبدو كل شيء بخير."

همس داخلي بسخرية حارقة:
يا لك من بارع يا آسر... قل له فقط إنك تحمل نصف ميت، ووفّر على نفسك هذا المسرح

رمقني الرجل باستغرابٍ يشبه الشفقة، ثم قال:
"حسنًا... أنت متأكد أنك بخير؟"

لوّحت بيدي:
"أجل، بخير... تمامًا."

ظللت واقفًا حتى دخل منزله، ثم ركضت ( أو حاولت الركض ) نحو السيارة. حملت الجسد بين ذراعي ، بثقلٍ لا يشبه ثقل البشر، ببرودةٍ لا تشبه برودة الليل

دخلت المنزل على عتبةٍ ترتجف تحت قدمي، فاندفع الألم من ساقي كأنها تذكّرني بأنني ما زلت حيًا رغم كل شيء. عضضت سترتي أقاوم الرغبة في السقوط

وضعت الفتى على الأريكة ( ويا ليتني قلت "وضعت" دون أن تقفز الحقيقة: لقد "أوقعته" أكثر مما "أودعته".
ثم تمددت على الأرض، أتحلل من الصمت، وأطلق صرخاتي التي دفنتها منذ أول خطوة

تراجع الألم ببطء، لأجد نفسي أسفل الأريكة، كأنني أهرب من كل ما حدث
تذكرت فجأة ...... باب السيارة!
عدت أعرج، أغلقت الباب، وحين استدرت...
كان جاري العجوز يتفحّصني، عيناه تهبطان نحو صدري

نظرت...
يا الله.
قميصي الأبيض تحوّل إلى خريطة دماء

برد شديد انزلق على رأسي، كأن الليل غمرني بماءٍ مثلج

الـضَّـوء الـمُـظْـلِـمْ  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن