رغم كل الأفراح التي قد يجلبها المشفى للإنسان إلا أنها تبقى ذرة في كومة من المآسى والأتراح التي يوصلها، فذلك المكان الذي يغطى بالأبيض لا يمكنه أن يناسب ما بين أخباره وما بين لونه المميز الذي اشتهر به، أغلق جاك بهدوء شديد باب غرفة ابنه الأكبر ليتقدم بخطوات هادئة نحو الشاب الذي كان فاقدا للوعي على سريره، وقف أمام السرير يراقب الشاب الذي دخل في تلك الغيبوبة، جسده بأكمله كان محاطا بالضماض من قدميه إلى رأسه، ولم يظهر من وجهه سوى عينيه وفمه وأنفه، ومن أسفل تلك الضماضات كلها التصقت الأسلاك به من كل ناحية موصلة إياه للأجهزة التي أحاطت به، أجهزة لقياس الضغط ودقات القلب والإشارات الحيوية وغيرها مما لا يمكن أن يكتفي الأطباء منه، جلس جاك على المقعد الذي استقر بجوار المريض ليمد يده متحسسا شعر ابنه وهو يحس بمرارة عميقة تحرق عروقه بأكملها، لقد قال الأطباء أن نجاته من هذا الانفجار هي معجزة حقيقية ولكنها معجزة قد لا تكتمل، فقد تعرض للعديد من الإصابات والحروق والجروح الخطرة، الداخلية والخارجية منها، ونسبة نجاته من هذه الحالة السيئة التي يمر بها الآن لا تتجاوز الـ5%، قبل أن يدخل إلى هنا اطلع على سجلات حالته الطبية وهي لا تبشر بالخير على الإطلاق، بل إنها على العكس تماما، فهي تؤكد أن حتى استيقاظه من هذه الحالة سيكون معجزة ونجاته ستكون رسالة من السماء، ضغط على يد ابنه الباردة التي أحس بها متجمدة بين يديه حين بدت تلك الدمعة في عينه وهو يراقبه، لقد حرص عليهما لفترة طويلة، حرص عليهما كما يحرص على حياته الخاصة، حرص عليهما كأنهما لم يبلغا سن الرشد بعد، طالما كانا بالنسبة له مجرد طفلين، وسيظلان كذلك ولو بلغا المئة عام، ولكن كما يبدو فهما لن يصلا حتى لمنتصف ذلك الرقم، فليان قد أمسى جثة متفحمة في مشرحة المشفى يتم التجهيز لجنازته وهو لا يزال في الخامسة والعشرين من عمره، لم يصدق عندما شاهد جسده المحترق بأكمله، لم يبقى فيه أي شيء سليم دون أن يمس، للحظة أراد أن يصرخ بأن تلك الجثة ليست لابنه، ولكنه لم يتمكن من أن ينطق بحرف واحد، لقد وقف هناك أمام جثته جامدا دون أن يتكلم، ودون أن يفكر بأي شيء عدا أن ذلك الشاب الذي كان يعتز بأن موته لن يكون إلا على رأس قيادة أسياد الجو يرقد الآن دون أن يعطى حتى الفرصة لمحاولة تحقيق ما كان يتمناه، لقد كانت أمامه حياة كاملة يمكنه أن يحقق فيها تلك الاماني، وهو كان قادرا على فعل ذلك، فمن ضرب رئيس التنظيم بزهرية على رأسه قادرا على الوصول إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، رفع يده ليمسح تلك الدمعة التي همت بالنزول محاولا الحفاظ على ثبات أعصابه وسيطرته عليها، دلك بيديه يد الشاب محاولا إدخال الدفء فيها، فهل من الممكن أن يخسره هو أيضا؟، لقد حاول أن ينقع نفسه بأن الشاب سيصحو من هذه الغيبوبة ويتجاوز هذا الوضع وينجو منه متغلبا على كل توقعات الاطباء، ولكن ما أن استقر نظره عليه حتى أدرك أن هذه أمنية ستكون صعبة التحقق، رفع نظره نحو وجه الشاب حين ارتفع صوت طرق الباب ليفتحه ويدخل منه الدكتور زوفري بهدوء، راقب الرجل ابن صديقه الراقد على السرير بألم بدا في ملامحه، أغلق الباب بهدوء ليتقدم نحو رفيقه ووضع يده على كتفه قائلا
أنت تقرأ
سلسلة الأسياد-الجزء الخامس-خدم السادة
Acciónعندما تكتشف أن كل ما عشته حتى الآن في عالمك الوديع ليس سوى مجرد كذبة ملونة والأسرار التي تختبئ خلف ظهرك قادرة على أن تقلب حياتك مئة وثمانين درجة والأفكار التي كنت تعتنقها قادرة على أن تدفعك لتقود أكبر ثورة في تاريخك وليس تاريخك وحدك بل هو تاريخ ا...