الهجرة وتستحيل مكة الى جحيم لا يطاق . . تصبح وطناً مقهوراً ، يشرّد ابناءه الطيّبين . وتصبح الهجرة الى بقعة آمنة في دنيا الله ؛ هاجس النبي المعذب . وفي ربيع الأول وبعد ثلاثة عشر عاماً من العذاب والمعاناة وضع النبي أولى خطاه في طريقه الى يثرب . وبدأ بذلك التاريخ الهجري . . التاريخ الذي غيّر وجه الدنيا وصحح المسار الإنساني العالم . ولم تمض سوى أيام قلائل حتى تلقت فاطمة انباء بهيجة . . . لقد وصل المهاجر الشريد قرية قبا وأن عليها أن تستعد للهجرة ، فقد ابتاع على جمالاً للسفر وأن القافلة الفواطمأن تنطلق صوب وطن المهاجرين . . الى ينابيع النور والمحبة والسلام ويقود علي القافلة منطلقاً الى ذي طوى ومنها الى عرض الصحراء برمالها وكثبانها . . وكان أبو واقد يسوق القافلة سوقاً فيه عنف ، وتشعر النسوة بمتاعب هذه الرحلة الخطيرة ، ويتدخل علي ليقول : إرفق بالنسوة أبا واقد . فيجيب السائق : انني أخشى الطلب . ويهدئ عليّ من مخاوف الرجل ، بل يبادر الى سوق القافلة بنفسه لتنساب بطمأنينة في بطون الأودية . وعندما وصل ركب الفواطم مشارف « ضجنان » اهترّت رمال الصحراء لوقع فرسان الدورية . . كانوا ثمانية من الوثنيين جاءوا لألقاء القبض على المهاجرين وإعادتهم الى الوطن السليب بالقوّة .بركت الجمال ، وبرق سيف علي في شمس الصحراء . . وفي تلك اللحظات المثيرة اكتشفت جزيرة العرب بطل الاسلام والسيف الذي لا يقهر . وفيما كان علي في غمرة المواجهة أفلت « الحويرث » صوب جمل فاطمة فأثاره . ونفر الجمل ) مذعوراً وهوت فاطمة بجسمها النحيل المتعب الى الأرض . ولم تكن الفتاة لتتحمل هذه الصدمة ، فدوت الآلام في جسدها النحيف الغض . وتستأنف القافلة رحلتها تطوي الصحراء . وعندما يغمر المساء الرمال وتحط القافلة عصا الرحال ، ويلتقط المهاجرون أنفاسهم . تُمضي فاطمة الليل تتأمل السماء المرضعة بالنجوم ، فتمتلئ روحها إيماناً ، وينفتح قلبها النابض على الكون بأسره ؛ لينطوي في حناياه بعد أن اكتشف أسراره وطواياه . . عندما تلتقي جميعاً في كلمة واحدة هي : الله . . الله وحده . وهي تتوسد رمال الصحراء ينطلق ذهنها المتوقد ، وفكرها الوثاب في آفاق الفضاء اللامتناهي ، حيث تبدو النجوم قلوباً تنبض بالحب الالهي . ويضج نداء في أعماق روح تلك الفتاة الملائكية نداء الأعماق المسكونة بالأيمان : ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك