عذابات فاطمة ويرحل الأب العظيم مخلفاً في قلب ابنته أعمق جرح يسدّده القدر . كان محمد الأب . . الحضن الدافئ . . الظلال الوارفة . . الهواء الذي تتنفسه . . فاذا الدنيا هجير . . واذا الوجود ظلمات تتراكم بعضها فوق بعض . آه . . كيف طاب للحواريين أن يودعوا الثرى شمس الوجود ؟ ! | كيف طابت النفوس أن تحثو التراب على وجه أضاء التاريخ والإنسان ؟ ! قالت فاطمة تخاطب اصحاباً لمحمد : اطابت نفوسكم أن تحثو على رسول الله التراب وراحت تملأ صدرها من شذى التراب الطاهر . . ان فيه عطر الوجود وأريجه الخالد ( 1 ) ، وفي فقده مصيبة تحيل النهار الى ليلي ( ۲ ) غارق في الظلمات . وتتوالى الطعنات . . فاذا الذين كانوا حول الرسول بالأمس ينصرفون اليوم . يسرعون الى « سقيفة » ( ۳ ) للاستيلاء على سلطان محمد . . وعلت الأصوات بعد ان غاب محمد الله . . بعد ان سكت محمد . . وتهدر الخطب في غياب محمد ولو كان شاهدها لم تكثر الخطب ( 4 ) . وفيما كان الحواريون منهمكين في تجهيز الراحل العظيم أسفرت السقيفة عن أول فلته في تاريخ الإسلام. وتخرج فاطمة تحاول استرداد الخلافة المغتصبة . . كانت تخرج ليلاً فتطوف على بيوت الأنصار ، ولكن دون جدوى فلقد سبقت البيعة للأول ؛ ولو جاء علي ما عُدل به فيقول علي : أفكنت أدع رسول الله في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه ؟ ! وتقول فاطمة : « ما صنع أبو الحسن الا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم » ( 1 ) . ويتحول بيت فاطمة الى قلعة للمقاومة يحتمي به الحواريون ممّن رفضوا باصرار أن يدوسوا تراث محمد أو يتناسوا أحاديثه . وتشتد هجمات المغيرين يريدون لعلي أن يبايع ، وكانت صيحات عمر بن الخطاب تدوي وتهدّد باضرام النار في منزل فاطمة ( ۲ ) وهتفت فاطمة بالمغيرين : يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله ( ۱ ) ! ويقاد علي بقوة الحديد والنار الى البيعة ، ويقال له : بايع فيقول : فاذا لم افعل ؟ فيقال له : إذن نضرب عنقك ، فيقول الرجل المقهور : اذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله ( ۲ ) . وعندما لاح ضريح النبي هتف علي وهو يبكي : يا بن أم ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني . وفي لحظات مثيرة هبت فاطمة ، وقد أشرعت سلاح الأنبياء . . رفع الكفين الى السماء . خرجت وقد أخذت بالحسن والحسين وانطلقت الى قبر الرسول . وهتف سلمان وقد رأى حيطان المسجد تتزلزل : ياسيدتي . . ان الله تعالى بعث أباك رحمة للعالمين ، وخفضت بنت النبي يديها بعد أن أوشكت أن تستمطر اللعنة على الظالمين ( ۳ ) . وقالت لعمر : أما والله يابن الخطاب لولا أني أكره أن يصيب البلاء من لا ذنب له ، لعلمت أني ساقسم على الله ثم أجده سريع الاجابة ) . ولولا أن تكون سيئة لنشرت شعري ولصرخت الى ربي . والله لا أدعكم تجرّون ابن عمي ظلماً ) . والتفتت الى الخليفة قائلة : « والله لا دعون الله عليك في كل صلاة » ( 4 ) . وتعود فاطمة مع علي إلى المنزل . . وفاطمة تبكي . . تبكي : فقد النبي وقهر الوصيه ) . آه . . لو تركوا الحق لأهل الحق . . وابتغوا عترة النبي ما اختلف في الله اثنان ! وكانت عاقبة الذين اساءوا السوء أن اغتصبوا الحق فاضحت الخلافة نهباً للطامعين والمغيرين ) . وتتوالى الغارات . . وتغتصب فدك والميراث وتصادر أحاديث وآيات .
