فدك . . أرض الصراع ولدت فدك الرمز . . خرجت عن أهاب القرية ، واشجار النخيل . أضحت أرضاً لمعركة ضارية وصراع مرير . وهكذا أرادت فاطمة ؛ فلقد أغتصب الحق والميراث ، وديست آيات وأحاديث . وجاء من أخبرها أن الخليفة طرد من أرضها عمّالها ، فلاثت خمارها على رأسها ، واشتملت بجلبابها ، واقبلت في لمة من حفدتها ، ونساء قومها ، تطأ ذيولها ، ماتخرم مشيتها مشية رسول الله توه حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار ، فنيطت دونها ملاءة ، فجلست ثم أنت انة أجهش القوم لها بالبكاء فارتج المجلس محمود هو الله من اجل ما أنعم على الإنسان . . وهبه نعمة الحياة وله الشكر إذ قذف في اعماقه العلم والمعرفة . وقد عمّت نعمه حتى لا يمكن لأحد أن يعدّها أو يحصيها بل لا يمكنها أن يدركها أو يحيط بها علماً . جعل الشكر لها زيادة ، وبركة ونماء وازدهاراً . وشهادة له سبحانه أنه واحد أحد . . مطلق لا نهائي . . . شهادة تضيء القلب والفكر والضمير . . تستحيل رؤيته ، فالابصار عاجزة . . ويستحيل تصوره فاللغة عاجزة عن وصفه ولو في أوهام الخيال . خلق المادة . . خلق الوجود فلا وجود كائن من قبل . . ولا مثال له فيما مضى . . . وحدها مشيئته وإرادته وقدرته . لا حاجة له في ما خلق . ولا فائدة له في ما صور . . الآمن أجل أن ترى حكمته . فنخشع . . وتتجلى قدرته فنخضع والطرق واضحة . . ايمان وجحود . . طاعة وتمرّد . . . ثواب وعقاب. شهادة لمحمد بالرسالة والنبوءات ، واخبار السماء . . سماه الله قبل أن يجبل خلقته . . واختاره قبل الرسالة واصطفاه في عوالم مستورة بالغيوب . . حيث الاشياء مقرونة بالعدم . . تبارك ربنا عالماً بالنهايات . . محيطاً بحوادث الأزمنة القادمة ، ومخاضات الأيّام . وكانت الأرض ظلمات بعضها فوق بعض ، والمجتمعات البشرية ضائعة ممزّقة . تخشع للنار إذ تتطاير شرراً ، وتعكف على أوثان منحوته من حجر وصخور . واذا بالله الذي أودع اسمه في الضمير والفطرة والوجدان وفي عقل الإنسان ؛ الخالق الذي لا يعبد . حتى اشرقت شمس محمد . . فتمزقت حجب الظلمات وتدفقت الينابيع في القلوب . . ينابيع الايمان والأمل . وسعد الناس جميعاً ، فقد أضيء الطريق . . الطريق المستقيم . ويرحل محمد له تتوفاه الملائكة الى بارئه . . ليستريح من عناء الأرض وويلاتها . . الى عالم مفعم بالرضا والسعادة فبارك يا الهنا محمد الأمين واغمره بالسلام . | ومن وراء حجاب تلتفت الزهراء الى حشود الأنصار والمهاجرين ؛ ويستمر تيار الكلمات وهي تنبعث من أعمق نقطة من قلب الزهراء : لقد رحل محمد . . وترك بين امته ميراث السماء . . قرآناً فيه آيات بينات . . تضيء معالم الطريق ، وترسم شريعة الله في أرضه وعباده . فالايمان طهر من رجس الأوثان ، والصلاة تغسل قلب الإنسان من التكبر . . والزكاة نمو وازدهار ، والصيام تجذير للاخلاص في القلب . والحج صرح تنهض فوقه معاني الأديان . والعدالة أنسجام للقلوب . . آصرة بين النفوس . وطاعة أهل البيت ، نظاماً شاملاً للحياة . والاعتراف بامامتهم أماناً من التمزق والتشرذم والتيه . والجهاد سوراً للإسلام والصبر سلاحاً للمقاومة . . مقاومة كل صروف الحياة وتقلبات الزمن. فيا أيها الناس : اعلموا اني فاطمة . . وأبي محمد . . كلمتي واحدة ثابتة . . عن الخطيئة في منأى . . ومن الشطط في مأمن . ويستمر صوت الزهراء يضع النقاط على الحروف ويزيح عن الحقائق ظلمات . . لتبقى كلماتها في مسجد والدها العظيم حيّة ؛ ماتزال حتى اليوم تستفهم التاريخ والحضارة والإنسانية . ولم يكن اغتصاب فدك سوى رمز لإغتصاب كل الوطن الإسلامي ولم يكن دفاعها عن علي الا لتشير بيدها الرقيقة إليه ، الى مركز الثقل في رسالة الأب الراحل ؛ حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله . وتعود فاطمة الى منزلها مقهورة . . لقد قضي الأمر ولم يبق لها الا الصبر أو القبر . وتقع عيناها على قميص أبيها العظيم . . فتغرق في. طواياه وعوالمه حتى لا تشعر بما يجري حولها ؛ ويرى علي ذلك فيغيّب قميص الذكريات حتى لا تموت فاطمة ( 1 ) . وتتأوه فاطمة مما تلقاه من القهر والاذلال والهوان . ويبكي علي من أجلها ثم ينصحها بالصمت ، وأن تطوي صفحاً عن قدك وغير فدك فان « ما اعتلك خير مما قطع عنك فاحتسبي الله » . . فلم تزد فاطمة أن قالت : حسبي الله ( ۲ ) . وهكذا سكتت فاطمة لم يبق لها سوى انتظار اللقاء . . لقاء الحبيب لم يبق لها سوى البكاء . . بكاء الحبيب . ويبني لها علي بيتاً لأحزانها في البقيع . وليشهد البيت الذي بناه علي من جريد النخل أحزان فاطمة ( ۳ ) في ايامها المعدودات . . احزان سيّدة على وشك الرحيل وتغيب ) فاطمة عن دنيا الآخرين ، فلا يسمع لها صوت الا ما يسمعه العابرون قرب البقيع من آهات إمرأة مقهورة . . امرأة خسرت الدنيا بعد أن ربحت نفسها . فما جدوى أن يربح الإنسان العالم وقد خسر نفسه ؟