هذا الكلام الذي تقرئينه كان يفترض أن يقال في حينه، عندما كانوا يبتسمون لك ويهنؤونك بتخرجك. أنا كنت هناك أيضاً، رأيت بعض المهنئين، وتخيلت شكل بعضهم الآخر، وليس بي يقين أي تهنئة جاءت صادقة أولا، وأيها أسعدك أكثر، كل ما أعلمه أنني أكتب هذا متأخرا، كأي عاشق عربي كلاسيكي ينتظر فراغ الأهل والأحبة والزملاء والجيران وحكايا البنات وكل مشاكل العالم من محبوبته لينفرد بها، ولما لم يكن لي ذلك جسداً، انفردت بكِ كتابةً.
أحب أن أعترف أنني دخنت كثيرا، وبكيت قليلا، وسرت في جسدي قشعريرة من نوع ما، لأنك قد تخرجت أخيرا بتقدير يدعو للحسد، وستصبحين في يوم قريب أتمناه لك، دكتورة، ولم تكن لك وسط زحمة النجاحات تلك فرصة لتنظري إلي بفرحٍ، وكان أن بقيت واقفاً على حافة دهشتي أحاول كبح دموعي، أبحث عن سيجارة يائسة في جيبي فلا أجد غير رسالتي التي كان يفترض أن تقرئيها عندما نلتقي وسط ذلك الزحام.
تفاصيل كثيرة كانت لتتغير لو أنني لم أمارس طقوس حبي وشغفي بصمت، ولو قُدّر لهم أن يضعوا راداراً يقيس ضربات القلب جنب عرضك التقديمي لاندهش الأساتذة وانصرفوا من تحليل مذكرتك إلى تحليل أسباب ارتفاع نبضاتي مع كل هفوة لفظية، أو ملاحظة طائشة.
إنني إذ أتمنى لك خالص التوفيق، فإنني قد أيقنت أيضاً أن عائلتك وصديقاتك وزملاء دراستك وأشخاصا يعلم الله من أين قدموا، كلهم استحقوا ضحكتك ونظراتك والقليل من وقتك، وأن كل هؤلاء يلهونك عن الشخص الذي قلت له ملء فيك "أنت حياتي"، ويجعله يتقلص من حياة كاملة إلى رجل يقف بجانبك يتأملك سعادتك ولا يبالي بنفسه إن تضاءل هو أمام عظمها.
وأنت صبحي وممساي، ومماتي ومحياي، وآخرتي ودنياي، وأنا أحبك.
يوسف،
أنت تقرأ
رسائل يوسف
General Fictionحسنا، لنهدأ جميعنا قليلا ولنتفق على أنني رجل مريض! لا تكن وقحا، ألا يمكنك أن تتوقف عن النظر إلى السواد تحت عيني، وعلب السجائر التي تملأ المكان، معظمها فارغ في الحقيقة، نعم لقد استهلكتها كلها، لكن هذا لن يغيّر شيئا حول ما سأقوله، فتوقف عن التحديق هكذ...