(2)
كنا اثنين، أحدنا شردته إحدى عشرة سنة، والثاني يكتب له أن يتشرد في يوم الامتحان الكبير، لأن الكبار يا سيدي لا يعترفون بظروف الأعداد، فيضربونها ويقسمونها ويختزلونها في واحد بكل ما آتتهم الحياة من قدرة على الهروب، والنكران، والنبذ!
من الغباء أن يجلس رياضي ما بنظارته الكبيرة ويختزل ما شاء الله من حيواتنا بكل وحشية ثم يفتح هاتفه ويقرأ هذا ويبتسم بدهاء، لأن الخطة الكبيرة قد بدأت تؤتي أكلها، وهاهو الرقم اثنان يتبع الرقم واحد في ترتيب الأعداد الممنهج نحو الكرتون الممد في آخر الرصيف ينتظر من يفترشه.
كل شيء يسير وفق الخطة، تماما مثلما اتفق قبل ألا يتفق.
كل شيء على ما يرام، جميع الأعداد تنتظر دورها بصمت وإذعان عدا الرقم الأول الذي لا زال يتخبط بين عصيان وبكاء، دواخ وصراخ، تمرد وجفاء، ولم يعد هناك ما يؤنسه إلا سيجارة أخرى يضعها في فم تشتاقه أفواه النساء، وتنبذه آذان الرياضيين والعلماء.
لم يعد هناك أجزاء للحكاية، إنها ملحمة تولد، بطلها ليس كاتبي، وليس أنا طبعا، وليس أنتم.
من الغريب أن تخترق شخصية ما دفتي كتاب وتخرج منه لتخاطب القارئ علنا، هكذا خرجت أنا، ولم يكن خروجي إلا لأكمل جوانب النقص التي أهملها كاتبي جهلاً وتغطية عما يجب أن يقال.
يبدو أنني اخترت الرجل الخطأ ليكتبني، ذلك أنه قد تغاضى عن تفاصيل مهمة، وأسهب في سرد أخرى يؤلمني تذكرها، ربما بحسن نية، أو ليمارس علي سلطة القلم التي يملكها هو.
لقد أخبرته، كاتبي، أن يكتبني كما أنا، ويورد في مجمل ذلك أنني، يوسف، لن أسامح محمدا وفاطمة، وربما يكون قد توجس خوفا من أعين الرقابة فلم يصرح عن ذلك علنا، كأحمق اعتراف يكتب في الدنيا.
إنه يلعب دور الكاتب بامتياز، فراح يقسمني فصولا وأجزاء، غير عالم أنها ملحمة تولد، وألا نهاية لها إلا بموتي، أو بموته، أو بانتحارنا المشترك من أعلى جبل بني في سيرتا.
فلتنصرفوا جميعكم عن هذا النص، ولتتركوا لي حرية التعري بين أحرف هي ملكي في الحقيقة، ولتشكروا كاتبي عنها نهارا، وتكتبوا أجمل ما يقال عن الأدب والأدباء، ولتحترموا رغبة الرياضي العظيم في قراءة هذا صامتا، ولتمنحوه كامل الحق في العناية بانعطافات الرقم ثلاثة، ونبذ رقمين يسبقانه بأعوام... هكذا أنتم...
منافقون...
حمقى...
وأنا بريء منكم إلى يوم يكتشف كاتبي هروبي، ويعيدني إلى هناك: إلى الصفحات الصفراء صفارة الكرتون.
يوسف،
أنت تقرأ
رسائل يوسف
General Fictionحسنا، لنهدأ جميعنا قليلا ولنتفق على أنني رجل مريض! لا تكن وقحا، ألا يمكنك أن تتوقف عن النظر إلى السواد تحت عيني، وعلب السجائر التي تملأ المكان، معظمها فارغ في الحقيقة، نعم لقد استهلكتها كلها، لكن هذا لن يغيّر شيئا حول ما سأقوله، فتوقف عن التحديق هكذ...