إنكم -بأدوات فهمكم القليلة- لا تستسيغون أمثاله فتسمونه مجنوناً مجازاً، أو ربما ألصقتم به صفة الأدب، ألا يقول التاريخ أن المجانين يتفوهون حكمة؟ فلابد إذا أن الحكيم أديب أيضاً. ثم إنكم لو فعلتم تأخذون بديعه سراً، وتتركون بعضه وتنكرون غريبه جهاراً، فتبا لكم!
لا تزال صورته تحضرني وهو على حافة الطريق يمرغ يديه في التراب راسماً مربعاً فوقه مثلثا داخله أربعة وجوه سعيدة، قبل أن يأتي من لا أبلغه إلا بشق الكتابة يبصقه بكل ما أوتي من مبادئ.. ويمضي، ويأتي آخرون ليلاً.
أراهم جميعاً، وتتلى علي أسماؤهم تباعاً:
صالح.. بائع البانجو.
حمزة.. الشاذ.
يوسف.. شريك حمزة في شذوذه.
سيد احمد.. مروج الكحول.
توفيق.. صانع السيوف والخناجر.
نعيمة.. العاهرة العجوز.
بعض السراق الذين حفظت ألقابهم.
وحفنة من حراس الجنة.
و"حس-ألف كرهة وكرهة" يعلو صوته من نافذة ما.
وآخرون يا صغيري.. وآخرون.
"سويسيدار.. الموت ولا لاميزار"
لا تبك يا صغيري،
أنا معك، أراك خيالاً أؤمن به. فلنحسب معاً من جديد كم يدا امتدت على وجهك الملائكي، عدد الدموع التي سالت على خديك، مجموع السجائر التي دخنت، والسنين التي صمدت، ولنجمع كل شيء بين دفتي كتاب ونذهب به إلى أعدل حاكم في الكون، وقبل ذلك لنبارك بعض الأحداث المهمة!
فلأتوقف عن تلاعبي البائس بالعواطف هنا، ولنبارك لك جميعنا قراءتك الأولى، وعهدتك الثانية، وضحيتك الثالثة، وأرضك الرابعة، ووسادتكم الخامسة، وحقبتك السادسة. ولنكمل أهازيجنا ونبارك لك مقدما القراءة السابعة، والهجرة الثامنة، والجملة التاسعة من القائمة السابقة بالسطر العاشر.
ولتعد إلى مثواك الآن قريراً بما حصدت، فخوراً بما قدّمت، ومت مثلما تموت السجائر بحقارة في فم صغيري، وخذ لو تشاء ماضيك وحاضرك ومستقبلك معك، فلا صحون لنا، ولا ملاعق، وليس لنا بذلك ما نقدمه لهم عدا ما زاد عن حاجة صغيري من "قلب اللوز" وسجائر الريم الرخيصة.
يوسف،
أنت تقرأ
رسائل يوسف
Aktuelle Literaturحسنا، لنهدأ جميعنا قليلا ولنتفق على أنني رجل مريض! لا تكن وقحا، ألا يمكنك أن تتوقف عن النظر إلى السواد تحت عيني، وعلب السجائر التي تملأ المكان، معظمها فارغ في الحقيقة، نعم لقد استهلكتها كلها، لكن هذا لن يغيّر شيئا حول ما سأقوله، فتوقف عن التحديق هكذ...