(3)
تنويه: محتوى هذا النص قد لا يناسب جميع أصناف القراء.
أحس أنني أتخذ قرارات أنا في واقع الأمر مجبر على اتخاذها، وأن ساعات التفكير والتشاور ماهي إلا محاولات بائسة تقود في النهاية إلى الطريق الموسوم سلفاً، لذلك لم يكن لي في الحقيقة خيارات متعددة أنتقي منها ما يلائمني، وبذلك فإن جل ما ستقرؤه تالياً أنا لا ألام عليه بشكل أو بآخر، لأنه كان دائماً الخيار الأوحد!
كان من بين خياراتي الوحيدة أن أشتغل مع عبد الرحيم، ونتقاسم بعض الذنوب، أنا آخذ ذنب تدخيني للبانجو، وهو يأخذ ذنب إحضاره كل ليلة فتاة ليل يقضي وطره منها ويتركها تبيت عندي حتى الصباح، فتنصرف دون عودة.
في إحدى الليالي أحضر عبد الرحيم فتاتين، واحدة أحسبها في العشرين، والثانية كانت نعيمة!
لست أدري ما الذي كان يمنح أي رجل ذلك الشعور بالانجذاب نحو أنثى مثل نعيمة، فقد كانت عجوزا على أعتاب الستين، يمكنك أن تعرف أنها أمضت معظم حياتها تعاقر الخمر من خلال أسنانها وشكل ابتسامتها، لذلك فعندما مثلت أمامي، عارية تماما، بتينك النهدين المترهلين من أثر الكبر، فإنني أفقت مباشرة من أثر المخدر، ورحت أنهاها أن تحرجني أكثر أمام العشرينية التي أحضرتها معها.
هي تعلم أنني زاهد في موضوع الجنس هذا، وأن لي فلسفة مختلفة عنه، فأنا أجزم أن هناك فرقا بين الحب والجنس، فالحب للبشر، والجنس للحيوان، وأنا لا يمكنني أن أمارس الحب مع فتاة لا أحبها ولا تحبني. لكنها هكذا، تحب أن تغوي كل ذكر يرميه القدر في طريقها، وتتفاخر عندما تضاجع عدة رجال في يوم واحد، وتحسب عددهم، وتتذكر ذاك العدد لتقارنه وتسعى لتخطيه مستقبلاً.
نعيمة بالنسبة لي قد وصلت إلى نقطة اللاعودة، تلك اللحظة التي تدرك فيها ألا شيء يمكن إصلاحه الآن، فتتظاهر بأنك لم تدرك واقعك، وتستمر في الاستمتاع به زيفاً، وتبكي حالك كلما خلوت بنفسك.
إنها تحتاج معجزة من نوع ما، أو رجل دين، أو ربما تحتاج فقط لقراءة الآيات الأولى من سورة النور.. لست أدري، كل ما أعلمه أنها قد أزالت عني أثر المخدر، وأن علي تحضير سيجارة أخرى.
في السيجارة الثانية كانت نعيمة ترقص رقصاً شعبياً وهي تدوّر قطعة من لباسها الداخلي بيدها الممدودة لأعلى مثلما يرقص الفلاحون بعصيّهم، وكانت لا تزال عارية.
انصرفت عنها إلى سيجارتي المحشوة، كم هو رائع هذا البانجو، يُذهب العقل إلى حدٍ تتساوى فيه المشاكل تحت قدميك، وتتضاءل، فتختار أحدها، وتكبّره، وتبكيه أو تفلسفه، أيهما جاء أولاً.
وأنا كنت أفلسف موضوع كل نعيمة في الكون، أفكر كيف يمكن للمرأة، حتى لو كانت فتاة ليل، أن تنقص من قدرها كل هذا الحد، فتعرض نفسها على رجل ما عالمة أنه لا يريدها، كيف تتعرى من كل مبادئها وملابسها بتلك السهولة، وكيف يمكن لرجلٍ عاقلٍ أن يلمس امرأة دون أن يحبها.
أنا أعلم أن بلدي فيه من الإناث والذكور الجائعات والجائعين ما يكفي لإعمار بلد آخر! ولكن، ألهذا الحد تسيّرنا أجسادنا؟ أقول هذا لأنني شاهد على أن ثدي نعيمة المترهل، وجسدها المملوء بالتجاعيد قد فتحا لها أبواباً، وحققا إنجازات ربما لم تكن امرأة أنهت دراستها الجامعية في تخصصٍ نادرٍ لتحققها!
اقتحمت عزلتي تلك الفتاة العشرينية، كانت قد جلست بجانبي منذ دقائق دون أن ألحظها، فسمعت تمتماتي مع نفسي، وربما تكون تذكرت نفسها، وحالتها، وأين كانت وكيف أصبحت.
كانت عيناها تقولان كل شيء، إنها فتاة منكسرة، آثمة، نادمة، وتحتاج حضناً، ولأنني الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب دائماً، كان أن احتضنتها بذراعي وأسندت رأسها على كتفي، وجلسنا على حافة البؤس نتقاسم آخر سيجارة محشوة، هكذا فقط، دون أن نتكلم، لأن الأرواح أحيانا تتكلم، والعيون تتكلم، والجراح تُرى، والأجساد تهون، فلا تعود أمامنا حاجة للكلام.
في الصباح وجدت نفسي وحيداً، وعلى الطاولة أمامي رسالة كتبتها تلك الفتاة على عجل...
يوسف،
في الدرج الأول من المكتب ستجد دفتراً، إنه لي، لأنني مثلك، أكتب شعراً ونثراً، غير أنني فتاة آثمة، ملعونة، فلا أستحق هذه المَلكة.
حضنك ذكرني أن هناك أشخاصاً طيبين في الكون، نراهم ولا نعرفهم، حضنك على لطفه وحاجتي إليه قد جعلني أدرك حجم حقارتي، وأنني لا أستحق أن تحتضنني أسرة، أو يحتويني رجل.
لا أعلم كيف يمكن أن أواصل حياتي بعد هذه الليلة، فأنت لم تتركني قادرة على الاستمرار في كوني (.....)، وأنا لا يمكن أن أرجع فتاة طبيعية. ربما سأنتحر، أو أبحث عن عمل، أو أدخن البانجو.. مثلك أنت، كل ما أعلمه أنك غيرت عدة مفاهيم في حياتي، وأخلطت حساباتي.
عدني أن تحكي للعالم حكايتي لو حدث وأحسستَ أني لم أعد بينكم في هذا العالم. أشكرك على كل شيء، وأتمنى ألا نلتقي مجدداً.
ف،
أنت تقرأ
رسائل يوسف
Ficción Generalحسنا، لنهدأ جميعنا قليلا ولنتفق على أنني رجل مريض! لا تكن وقحا، ألا يمكنك أن تتوقف عن النظر إلى السواد تحت عيني، وعلب السجائر التي تملأ المكان، معظمها فارغ في الحقيقة، نعم لقد استهلكتها كلها، لكن هذا لن يغيّر شيئا حول ما سأقوله، فتوقف عن التحديق هكذ...