أما بعد فإني مفارقكم، وإنني أكرهكم جميعاً، ولا أنتمي إليكم، وما من قطعة مني متواجدة بينكم غير جسدي الذي أضعفته المضغة، ورئتاي اللتان أنهكهما الدخان، أما روحي فهناك في الأفق البعيد تنتظر يوم الشنق الموعود بصبرٍ وروية، وإنه لقريب، وإن يوسف يقول ذلك، وأنا أصدق يوسف وأكذبكم جميعكم، لأنكم في النهاية فانون، زائلون، ومنافقون، أما يوسفُ ففيه من الصفات ما يجعله منزهاً على أن يكون محل مقارنة معكم.
أما أنا فلستُ بناقشٍ على الورق، وإنها ليست حرفتي، وإن ما تراه أعينكم القاصرة يملى علي فأكتبه، ثم أتلوه زيفاً بصيغة الكاتب الحذق.
وأما أنتما فلم تتركا لي منفذاً ينفذ منه عفوي عنكما، وإني لأراكما تحترقان كل ليلة، وأن يوسف يصب عليكم ناراً، وإن لي معكما كلاماً لا يقال في الحياة الدنيا، ولا يُسمع في مجلسٍ يُنبذ فيه همس الأطفال، ويكره فيه خدش الثوابت.
وأما الصديق فقد مات وقضى نحبه ومشى إلى قبره وبدأ الدود يسكن لحمه وينهشه، فاستحالت ممارستي لفعل الصداقة بعده، ولم تعد بي حاجةٌ لبشريٍ آخر يقتلني كمداً قبل أن أقتله قدراً.
وأما أنتِ فأعلم أنك راحلة لا محالة، هكذا قال يوسف عندما التقيته اليوم على حافة دهشتك، وقد أوصاني ألا أنقض عهد حبك، ولا أدع غيركِ تسكن القلب المريض، أوتضع عليه خربشاتها، أو تمارس فوق أحاسيسه تبتلاتها، وهذا لحكمة يعلمها هو، وأؤمن بها أنا.
يوسف،
أنت تقرأ
رسائل يوسف
General Fictionحسنا، لنهدأ جميعنا قليلا ولنتفق على أنني رجل مريض! لا تكن وقحا، ألا يمكنك أن تتوقف عن النظر إلى السواد تحت عيني، وعلب السجائر التي تملأ المكان، معظمها فارغ في الحقيقة، نعم لقد استهلكتها كلها، لكن هذا لن يغيّر شيئا حول ما سأقوله، فتوقف عن التحديق هكذ...