أحيانًا تجد أنه من الغريب جدًا أن تُعطيك الحياة كُل ما هو رائِع دونَ مُقابِل ، خادِعة هي الحياة !
في اليوم الثاني ، استيقظ مالِك على صوت هاتفه الساعة العاشرة صباحًا تقريبًا .. كان لا يزال في مُحاولة تدارُك الأمور عِندما رد على المُكالمة بـكسل بادٍ على صوته الرائِع
- مالِك فريدريك ، مَن ؟
لِـيأتيه صوتٌ يعرفه جيدًا ، آهٍ إنه صوت أخيه ..
إعتدل في وقفته وقال بصوت وقور وكأن أخيه ماثِلًا أمامه
- أخي كيف حالُك ؟
- بخير ، أمازِلت في روما ؟
- نعم ، لمَ؟!
- متى ستعود؟
- لا أعرِف رُبَّما بعد يومين أو ثلاثة ، هل كُل شئٍ بخير؟
لـيسود الصمت على الطرف الآخر ، توقعَ مالِك الأسوأ لكنه لم يُرِد تصديقه فسألَ بِـلهفة ممزوجة بأمل أن تُخطئ ظنون مالِك ولو لمرة واحدة فقط !
- هل جدي بخير ؟
- توفى صباح اليوم ، ننتظرُك كي نُقيم العزاء
لم يشعُر مالِك بدموعه تتساقط بِغزارة وكأنها مصبّ أحد الأنهارِ ، شعرَ فقط بقلبه يؤلمه ذلك الألم وكأنه على وشك الإنفجار أو الموت ، وعِندما كانت ياسمين وراءه تسمع حديثه مع أخيه بكت لِبكائه والتفت لِيجدها تبكي هي الأخرى ارتمى بين أحضانها وبكى مرًة أُخرى ، لم تتحرك وظلّت تُربت على ظهره كَـأُمٍ مُحِبّة .. أما هو كان في عالَمٍ آخر لكنه انتهى مِن بكائِه سريعًا واتجه لِـارتداء ملابسه وعندما توجه نحو السيارة وجد ياسمين تلحقه ، لم يُقاطِعها ولم يُجادلها حتى في قرارِها .. كان أكثر من يحتاج إليها وكانت تعرف أنها الوحيدة التي رأت ضعفه فَلم تُرِد أن تتركه في لحظاتٍ كهذه !..
في لحظاتٍ كهذه عِندما يأخُذ الموت أغلى ما نملُك ، نود أن نودع أحباءنا الوداع الأخير لأنّنا نوقِن أنها حقًا الأخيرة سواء القُبلة الأخيرة أو النظرة أو اللمسة الأخيرة ، يُصبح آخر كُل شئ هو الأكثر ألمًا ، يميل العقلُ البشري إلى عدم التصديق أو وصف كُل ذلك بأنه كابوس مُزعِج لا ينتهي لكننا وفي النهاية نجِد أنه لا يمُت للأحلام بِصلة وأنه ومع الأسف واقع مؤلِم يجب مُعايشته و مواجهته بقوة ؛ لأن الحياة تُريدك قوي ولأنها سبقَ وأن سَلبتك حقك في الظهور ضعيف !
جرى كُل شئٍ بسرعة فجأة وجدت ياسمين نفسها في طائِرة خاصة مُتجهة إلى باريس ومالِك يُمسك بيدها بقوة وكأنه يُعلنها رسميًا إحدى مُمتلكاته ، في الطائرة وعندما كان كُل شئٍ صامت عدا عقل مالِك ظل مُمسِكًا بيدها أيضًا لكنها لم تُناقشه في ذلك وبمرور الوقت بدأت يدها تؤلِمها ولم تعرف كيف تشرح له ذلك فَحاولت فرك يدها في راحة يده المُريحة فَلاحظ ذلك وقال له بصوتٍ حزين لم تره به من قبل
أنت تقرأ
أحبـبتُه بَـاريسيًا
Romanceوعادَ مشهد الإعتراف مرة أخرى تركَ مالِك يدها وأخيرًا ليتجِه لشاشة التلفاز ويُوقِفها عِند ذلك المشهد ليعود ويجلِس بـقُربها ويقول - هُنا تحديدًا .. ماذا قال ؟ أيمزَح معها ؟ كيفَ ستقول له أنه قال " أُحبك " وهو في ذلك القرب ! هل ستنظر في عينيه الخضراو...