الفصل الثاني

1.5K 102 413
                                    

هزّ موت سويون المطبخ الملكي، صاعقةُ نهايتها لم تبلغ استيعاب أحد، فالفتاة رغم تعاليها وطموحها المجنونين، كانت حنونة تجاه من حولها وتهتم بعمقٍ لمن تكترث لهم. لقد تربت مثلي وسط الأيدي الرؤوفة هذه. وصف الجو العام أنه خانق لهو تقليل من شأنه. فلا تيأس الخالة جويون من ترديد، "كيف سترتاح روحها الطاهرة في الجنة ورأسها معلقٌ بتلك الدناءة؟" لكن ما من سامعٍ ولا مُجيب، فهي أدرى من أي شخصٍ آخر في هذه البقعة من القصر أن الاعتراض على القرارات 'الحكيمة' لمسؤولي القصر لهي أمنية موتٍ بالنسبةِ إلينا نحن الحثالة.

استمر هذا الهمُّ لأيام طويلة، وظلت جثتها معلقة في المكان ذاته كتذكيرٍ لا ردع فيه عن معرفة مقامك. إنه تهديد بلا شك. نتيجة لذلك، توقفت الأغاني والألحان الليلية عن الصدوح، واكتفى الجميع بقول، "تصبحون أحياء،" بدلاً من "تصبحون على خير،" ورغم التشابه في معناهما الفعلي، لا يزال وقع الأولى مختلفًا، يضرب كل مرةٍ عميقًا بداخلنا، خاصة وهو صادرٌ من الخالة جويون والطباخان العجوزان لاسيما أنهم كانوا يعتبرونها أمانة من صديقهم القديم والدها.

ما زادني تخبطًا هو تردد كلماتها الأخيرة لي في كوابيسي، فأصبت بالأرق رغم إرهاق اليوم الطويل. لا زلت أراها جالسة على الطاولة تلقي علي كلماتٍ آمنت أنها طريقها للجناة، تقول لي أن أجد ضوءًا في هذا المكان، أو مصدر رغبة لي في العيش، هل يا ترى لا زالت تتمنى لي الاستمرار في ذلك؟ على الأرجح كلا. عاشت وماتت لأجل ذلك الضوء، فأنهوها عن بكرة أبيها هي وذلك الضوء دون أدنى رحمة، لتصير قطعًا أحدها معلقٌ على سلاح حرب، والربُّ عالمٌ أين تقبع البقية.

وفي العشية الثالثة لمغادرة سويون لنا إلى الأبد، أعلن كبير الخدم عن تسريح ما يقارب العشرين عاملاً بسبب الانتكاسات الحاصلة في ميزانية القصر كتبعية للمائدة العظيمة قبل أيام، معظمهم من كبار السن في الاسطبل والبستانيين والخدم الشخصيين الذين خدموا العائلة المالكة لأجيال. لقد رموهم كالقمامة بكل بساطة بعد إخلاص السنين، ولكن هذا ليس شيئًا جديدًا عليهم.

بالإضافة لطرد الكثيرين، تم توزيع العديد من العاملين في أرجاء المكان، وبدلاً من عمل الفرد في مهمة واحدة، صار على الكثير منا الخدمة في مهام متعددة، نعمل بكدٍ أكثر من السابق، أصبحنا أقرب للعبيد من الخدم، لكنهم وعدونا بأسرّة أفضل وغرف نومٍ أوسع، وطعام أكثر حالما تنقضي هذه 'الفترة المشؤومة' على حد قول رئيس الخدم، وكأننا لم نولد في بؤرة الشؤم من الأساس.

دون تأجيل، بدأت مهامي في اليوم التالي، أبدأ صباحي مثل ما اعتدت عليها سابقًا، أحمل الأكياس الثقيلة من المؤن والامدادات المختلفة إلى المخزن. لكن الاختلاف يكمن في المهام التالية في فترة ما بعد الظهيرة، فقد تم اخباري أنني سأكون خادمًا شخصيًا للسيدة آني، الزوجة غير الشرعية للملك، في فترة استرخائها مع الأمراء. وبعدها، سأتوجه إلى السوق المحلي في قلب المدينة لأتبضع لأساسيات المطبخ وأتأكد من الحسابات الصحيحة التي أضاعها الخادم العجوز السابق، فرغم أنني أُميْ لا أجيد القراءة والكتابة، إلا أن الحساب كان شيئًا وجب علي تعلمّه بسبب حديث عاملي المطبخ منذ صغري عن الأموال وإنفاقها الصحيح. رُب ضارّة نافعة.

Ruthless Royalty (21/21)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن