576

171 23 15
                                    



كان الليل قد أخذ يهبط حين سار أركادى في طريق العودة إلى البيت. فلما وصل إلى نهر نيفا، توقف لحظة، فحدق إلى الأفق البعيد عند منحدر النهر. هناك كان الهواء الكثيف والضباب البارد الكابي يلتهبان فجأة بأواخر الشعل من أول الغروب.

كان الليل يهبط على المدينة. وكانت صفحة الماء المتجلدة المحدودبة المخددة بحلقات من ثلج قاسٍ تعكس على امتدادها الواسع أواخر أشعة الشمس الغاربة تراقصاً متلألئاً على صفائح الجليد التي لا يحصى عددها.

كانت درجة الحرارة قد هبطت إلى العشرين تحت الصفر ... إن بخاراً أبيض يحيط بالخيول المتوقفة عجزاً عن متابعة السير، وبالناس الماشين بخطى سريعة. والهواء الكثيف يُرجع أيسر صوت.

وفوق سطوح جميع المنازل المُصطفة على الأرصفة تتصاعد في السماء الباردة أعمدة عالية من دخان، يختلط بعضها ببعض، ثم يفترق بعضها عن بعض. لكأن مباني أخرى كانت تنبثق في الجو فتشكل مدينة جديدة فوق المدينة القديمة.

كان العالم _بجميع ساكنيه، الأقوياء منهم والضعفاء، وبجميع مساكنه، أكواخ الفقراء منها وقصور العظماء على هذه الأرض_ كان هذا العالم كله يبدو في تلك الساعة من المساء أشبه بسراب عجيب، أشبه بحلم مصيره إلى الزوال هو أيضاً، مصيره إلى أن يتبخر دخاناً في السماء الزرقاء الداكنة.

وهذه فكرة غريبة تنبثق فجأة في ذهن رفيق المسكن فاسيا، في ذهن الرفيق الذي أصبح الآن وحيداً. ارتعش أركادى. كأن دماً أشدّ حرارة يتدفق الآن إلى قلبه، تحركهُ عاطفة قوية لم يعرفها قبل اليوم.

لقد بدا له أنه يفهم الآن كل ذلك القلق الذي دفع فاسيا إلى الجنون، ويدرك السبب الذي جعل فاسيا يفقد عقله من عجزه عن احتمال سعادته.


BRO |✔| اقرأ 1حيث تعيش القصص. اكتشف الآن