اسئلة ..

1.6K 74 10
                                        


مات سنان...
مات بهدوء، كما عاش، في فراشه، والنّاس نيام.
كعادتها، حاولت أن توقظه في الصباح، ناديته باسمه فلم يُجب، لَم يفتح عينيه، لم يتحرك صدره.
ارتعشت يدها وهي تربت على صدره الصامت، ثم ألقت رأسها عليه، على الفراغ، على سكونٍ لا يوقظه نداء، وأغمضت عينيها...

تمنّت لو كان كابوسًا... كابوسًا تستيقظ منه، ويستيقظ معها.
ليست مستعدة لتخسر شخصًا آخر، ليست مستعدة لتخسره هو...
صديق الطفولة، ورفيق الشباب، وسند القلب حين مالت به الدنيا.

لو استطاعت، لأعطته من عمرها.
هي الروح الميتة في جسدٍ حي،
وهو  الروح الحية في جسدٍ ميت.
كان... أصبح من زمن كان.
رحل من كان يقرأها ككتاب مفتوح،
من ساندها بصمت، بظلّه، بحضوره، برعايته.

عادت يتيمةً من جديد.
تمرّ أمام عينيها ثماني سنوات مضت كأنّها لم تكن،
وتشعر بتلك الفتاة الضائعة تعود للظهور...
ألم تنضج؟ ألم تشتدّ عودًا؟
فكيف عادت الفتاة الصغيرة الآن ..

طرقت الممرضة الباب، فلم تأتها إجابة.
دخلت بتردد، حان وقت دوائه، وقياس الضغط والسكر، ولم تستدعِها هازان كعادتها.

وجدته مستلقيًا بهدوء، وهازان عنده لا تتحرك، رأسها على صدره، تنظر إلى اللاشيء.
اقتربت بخفة، ففهمت... وسالت دموعها.

شهران فقط كانت تعتني به، ولكنها أحبت هذه العائلة، تمنّت أن يشفى، أن يعيش، أن ترى ابتسامته مرةً أخرى.
لم تعرف ما تفعل، هل تذهب لأمه المكلومة؟ أم للجدّ الهرم؟
نظرت من النافذة، فرأت أخاه الذي اعتاد زيارته منذ أسبوع...

كان يعرف جيدًا متى لا تكون هازان في القصر.
صار يزور أخاه في تلك الساعات التي يغيب فيها ظلّها، لا يريد لقاءها، لا يحتمل وجهها، لا يطيق ارتعاش صوتها حين تنطق اسمه...
لكنه لم يكفّ يومًا عن المجيء.

لم يسأل عنه الجدّ، لم يذكر اسمه، لم يهمس حتى بما إن كانت صحته تتحسّن أو تزداد سوءًا.
وصمت ياغيز أيضًا... لم يطلب إذنًا، لم يطرق بابًا، لم يقل "هل يمكنني؟".
هو الذي اعتاد أن يُرحّل من القصر بلا كلمة، اعتاد أن يُختصر من الحياة كما يُقصّ سطر من ورقة، صار لا ينتظر شيئًا من أحد.

عوّدوه على الغياب... فعاشه.

وقف في الحديقة، مكانه المعتاد منذ أسبوع، حيث لا تراه العيون، لكنّه يرى النوافذ ويراقب الضوء المنبعث منها،
يسجّل بقلبه عدد الخطوات التي تمشيها الممرضة في الرواق، وعدد المرات التي تفتح فيها هازان النافذة أو تغلقها.
يتأمل الشجرة التي كبُرت قليلًا منذ أن زرعوها ذات شتاء.
كل شيء تغيّر، كل شيء مرّ عليه الوقت... إلّا هو.

أخطاء الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن