أخطاء الماضي

795 34 18
                                    



نسيت وجود كل من حولها، نسيت أن من يجلس أمامها زوجها وحبيبها، تريد أن تهرب، من ذلك القادم، من تلك العينين التي تحمل الأسئلة ، اللوم، المعاتبة ..
وقفت فجأة تهمّ بالرحيل، أثارت استغراب الجميع، ولم يفهم أحد تغيّر حالتها الفجائي  أو هي التي اعتقدت ذلك !
تعذّرت بالتعب والارهاق، فنهض ياغيز وودّع الجميع ثم أمسك بيدها ليخرجا، مرّا بجانبه، وبدون وعي، ضغطت على يد ياغيز، أتراها تبحث عن القوة، من عند ياغيز !

لم يتكلما طوال الطريق، سُرّت لهدوءه هذه الليلة، فعقلها مشغول كثيرا ليجري حوارا بسيطا عن السهرة او عن العرس غدا ..
عندما وصل، وعندما كادت تترجل من السيارة سأل بهدوء غريب
" هل تعرفين ذلك الرجل ؟ "
شعرت بالبرد يستوطن في اطرافها، وتكلمت بدون أن ترتجف شفتيها
" أيّ رجلٍ ؟ "
أهو أيضا يواجه صعوبة في التكلم، أهو يضغط على المقود حتى ازرقت أظافره
" الذي أتى لطاولتنا ! "
تكاد تشعر بقلبها يتحرك من مكانه، يسقط ويقع بين رجليها، تخاف، بل ترتعب من الاجابة على هذا السؤال، هزت رأسها نفيا ..
وبعد صمت وُضعت فيه الأحكام، ووُصمت فيه هازان بالكاذبة، فتحت باب السيارة، نظرت اليه وسألته لماذا لا ينزل، كان يوالي وجهه للجهة المقابلة، يبدو مرتبكا، غاضبا، ثم قال بعجل انه سيذهب لمكان ما !
لم تسأل ولا تنكر ارتياحها لبقائها لوحدها لبعض الوقت، علّها تفهم مالذي حصل !

وضعت حقيبتها على خزانة الزينة وخرجت إلى الشرفة تستنشق هواء أغسطس علّها تهدأ و تفهم !
مالذي أعاده، مارت، ابن أستاذ العلوم الذين انتقلوا إلى ايسكي شهير في السنة الأخيرة من الثانوية، ولد خجول لا يتحدث كثيرا، ساعدته هازان على التأقلم، كان ولدا هادئا، طموح وذكي جدا، يطمح بالدراسة في الخارج، يلتهم الكتب التهاما، ولا يشغله عن الدراسة شاغلا !
عادت الى غرفتها لتغير ثيابها وتنام، تعلم أنها لن تنام، بسبب شعور الذنب ربما !

رن هاتفها وذهبت لترد، رقم غريب وصوت كان مألوفا في السّابق، بلا استأذان هاجمته وسألته بأي جرأة يأتي إلى طاولتها ويتصل بها ..
ولسوء حظها، يدخل ياغيز في تلك اللحظة، بحالة غاضبة مر زمن على رؤيته في تلك الحالة ..
في لحظة أخذ الهاتف من يدها ووضع مكبر الصوت ليقول القادم من الماضي
" أنتِ من راسلتني واردتِ رؤيتي ! طلبت أن نلتقي لنتحدث عن كل الأسباب التي جعلتك تتركينني ! هازان ! لماذا تفعلين هذا بي ! لماذا تفتحين جرحا قديما ! "
لا تعرف أتُصدم مما قاله أم من سماع ياغيز لما قاله !
ارتعدت فرائصها وكادت تتهاوى على الأرض لولا أنّها أمسكت في طرف السرير في آخر لحظة ..
هل تقوم قيامتها ؟ هل يقترب جحيمها ؟ هل تنتهي ؟

قطع المكالمة ورمى الهاتف على الحائط فتكسر ..
يعضّ على اسنانه، يضرب الطاولة بقبضته، الطاولة ترتجف ويده تكاد تنفجر ..
وعيناه، عيناه التي استشاطت بحرا هائجا ثائرا تقول كلمة واحدة
" كاذبة ! "
شهقت، خارت ساقاها وجلست على طرف السرير ترتجف
" يكذب انا لم اتصل به ! انا .. "
يحوم في الغرفة، لم تكفه الطاولة التي كيرها، يريد كسر شيء آخر، أتراه يريد كسرها هي، تحطيمها اربا ..
" لماذا اصدقك هازان ؟ لماذا اصدق كاذبة ! "
قرر أن يخرج من الغرفة، انتهت المحاكمة، أدلة الخيانة والكذب تحيط به، ومحاميها، قلبه، الثرثار عادة أصابه البكم ..
قالت بسرعة تتدافع الكلمات من فمها
" انه صديق! درس معي في اخر سنة في الثانوية، زميل ! "
تزدحم الخيبات، تصرّ ان تغرق اكثر في عمق الأرض، تصغر أكثر، ضحك، سخرية ام غضبا، ضحك كذبها، أم خذلانها ، ووقف أمامها وقال
" لم يكن حبيبك اذن ؟ لم تلتقيا على تلك التلة اللعينة ! "
ارتعبت، تقلّص باطنها وتوقف عقلها عن التفكير، لا يُعقل أن يعلم، لم يعلم احد بتلك العلاقة القصيرة التي لم تدم شهرا، سوى امها، علاقة ، فركت يديها وهي تشرح
" كنا مجرد صديقين، ثم تقرّب مني، وعندما أراد الخروج معي وافقت ! لكن انفصلنا ! "
لم يكن ينظر اليها، يرغب بالرحيل لكن رجليه تسمّرتا مكانهما، أتراه قلبه يرغب باستأنافٍ
واصلت
" ثم انفصلنا، قبل موت والديّ ! ربح هو منحة للدراسة خارج البلاد ورحل ! ولم اره بعدها مرة اخرى ! "
خيبة جديدة، كذبة أخرى تضاف لصديقاتها، لم يعد حتى قادرا عن الغضب، طعناتها سلبت منه القدرة على الحراك ..
" يكفي هازان ! يكفي كذبا ! لا تصغري في عيني اكثر ! "
نظرت اليه بخوف ولم تقل كلمة فصاح ينفث الحقائق في وجهها
" ثم لم تتاقبلا ! قبل موت والدكما ! كم تبين أنّك كاذبة محترفة هازان  ! لقد رأيتكما ! معا ! على تلك التلّة الملعونة ! بعد خطبتنا ! رأيته يمسك يديك ويترجاك ! رأيت جمودك ! سمعته يذكرك بعمق مشاعركما يترجاك أن لا تتزوجي من ذلك المفروض عليك وأن تهربا معا ! وعندما لم تسمعيه باذنيك قبّلك ! "
حبينها يتفصّد عرقا، فمها مفتوح ويديها يرتعشان ودموعها تسيل بدون توقف
" رأيت خطيبتي التي لم اتجرأ على احتضانها تقبّل شخصا آخر ! رأيت الفتاة التي كبرت أمام عيني ! التي اخترتها لتكون شريكة حياتي تقسو على قلبها لتتزوج بي! تودّع حبيبها ! لانني القرار الأعقل  "

الأرملة السوداء (قيد التعديل ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن