القلب يرتعد، والأطراف تتشنج، والطريق لا ينتهي، تعض شفتها وتدميها، تبكي بصمت ..
عقلها عاجز عن التفكير، عن الفهم، عن ترجمة ما حدث ليبدأ بالبحث عن حلول ..
لا تقدر وهي العاجزة إلا على القول كل حين وآخر
" أسرع، أرجوك أسرع ! "
لم يتكلم، لم يخفف من المسألة، أيعرفها لدرجة يعلم أن لا فائدة من تلك الكلمات التي تزرع أملا كاذبا، أم تراه هو أيضا ضائع في هذه الأحداث الأخيرة ..
للمرة العاشرة تعيد
" أسرع ! "
ليُخطأ ياغيز هذه المرة ويرد
" ان أسرعتُ اكثر قد نتعرض لحادث ! "
يضيق المكان ويطبق عليها، يتقلص الهواء ولا يصل الى رئتيها، تغرق وتغرق، تغرق في هواجسها ومخاوفها ..
بسرعة اوقف السيّارة جانبا وانزلها، كم مرة شرح لها طريقة التنفس، تنظر اليه ولا تراه، لا تسمعه ..
هي في مكان اخر، في زمان اخر، هي هازان ذات الثامنة عشر من عمرها
هازان التي تبكي وتصيح
" امي .. أبي .. لا تتركانني ! "كم ظلا على تلك الحالة، الرعب الذي عاشه وهو يراها خالية من روحها، تعيش قطعة من الزمن لم تعشها سابقا، يتذكر جيدا ذلك اليوم الذي تلقوا فيه خبر وفاة والديها ..
عاد هو في عطلة آخر الاسبوع من اسطنبول وكانت هي بالقصر عندهم، لم يتسائل ولم يستغرب، فوجود هازان وايجه عندهم كان أمرا عاديا، ربما كان سيستغرب إن لم يجدها ، ولكنه الآن يتذكر ان حالتها كانت غريبة، غاضبة، حانقة ..
لماذا لم يسألها، لماذا اكتفى بازعاجها كما يفعل عادة، يبعثر شعرها أو يفتكّ هاتفها لتقفز طويلا حتى تسترده أو يضغط على أرنبة أنفها ويناديها بالصغيرة، في العادة كانت تغضب أو تخبره بعمرها، حتى أنها في مرّة ارتدت فستانا قصيرا ومفتوحا وهمست له قائلة
" أترى أنني لم أعد طفلة ! "
اه لبراءتها، لو كانت كما تقول لفهمت فورا نظراته الراغبة ولكنه، خوفا من أن يُكشف انجذابه اليها اجابها بغباء
" لا تزالين طفلة ! عليّ أن أعرفك على صديقاتي بالجامعة لتتعرفي على مرأة ناضجة ومثيرة ! "
يومها احمر وجهها غضبا وتمتمت بكلمات لم يسمع منها الا
" ... من يُعجب بي ! "
لكن ذلك اليوم لم تجبه، ولم ترم عليه اول اناء بجانبها، اكتفت بالنظر اليه بيأس، تلك النظرة التي يلمحها لأول مرة على وجهها ..خرج ليجد والده يتحدث مع الشرطة حزينا وأمه منهارة ونورجول تحاول مواساتها ..
عاد اليها ينظر اليها بحزن، قهر، سمح لدمعة أن تنزل من عينيه وهو الشاب القوي الذي لا يبكي، أراد أن يحتضنها، أن ينتزعها من هذا المكان، من هذه الحقيقة التي قلبت كل حياتها ..
استعد لنوبات الغضب، البكاء، التكسير ..
لكنه لم يستعد لما واجهه ..
لمدة طويلة تجمدت مكانها، اتراها فهمت ؟ اتراها ادركت أنّ أمها وأباها ماتا !
أم أنّها تتظاهر بالصمم، كل الأصوات النابتة من حولها تتحوّل الى طنين ..
ثم صمتٌ .. صمت طويل، صمت يحرسها من الوجود، صار الصمت ممارسة عدميّة بامتياز، صار الصمت قبرها الرحيم ..ليعتقد الجميع ان هازان تعيش حزنها بهذه الطريقة، تعيش حدادها لوحدها ..
ويحترم الجميع بعد ذلك صمتها ووحدتها ..
ليته أجبرها على البكاء، ليته صرخ في وجهها وقال لها أنها أصبحت يتيمة بلا أبوين ! ليته هزها بعنف لتبكي وتنتحب ..
فما رآه منذ قليل ارعبه، انساه مشكلة ايجه وحبس كريم، ما رآه منذ قليل يعني شيئا واحدا ..
أن هازان لم تعش حدادها على والديها بعد ..
ذلك الصمت لم يكن إلّا تجاهلا لما حدث ..
أنت تقرأ
الأرملة السوداء (قيد التعديل )
Fanficدخلت غرفة الجلوس .. وجدته واقفا جنب المدفئة يوتيها ظهره .. وفي يده صورة عائلتها .. تأملته .. لم يتغير .. ربما اكتسب وزنا .. وعضلاتا .. بلا شعور مدت يدها وعدلت من شعرها .. عندما اشتبك خاتمها بمشبك شعرها .. شعرت بالخجل واعادت يدها مكانها .. دون ان تن...