الفصل الرابع

5.5K 161 43
                                    

أكثر من شهر مضى على لقائهما الأول، لشهر كامل لم يتوقف عن الظهور أمامها في كل مكان، أحياناً يظهر ليلقي التحية وهي تدخل الجامعة وينصرف سريعاً ليلحق بعمله، وأحياناً يباغتها أثناء مغادرتها ليسير معها حتى موقف السيارات، بينما تدعي هي الغضب والتجهم، وتخونها خفقات قلبها وابتسامتها.

أدارت عينيها حولها بخواء قبل أن تنتبه لنفسها، ها هي منذ أسبوع تفعل ما تحذر نفسها منه كل يوم. تبحث عنه دون وعي بعد أن غاب فجأة ولم يظهر لأيام بعد أن كان يلاحقها يوميًا.

ربما كان يتلاعب بها لا أكثر وسرعان ما مل ووجد أن لا فائدة من ملاحقتها، كانت نزوة لا أكثر.

تلك الفكرة كانت تخنقها وتزيدها ألمًا وضيقًا، لكن الجزء الحكيم منها كان يخبرها أنّ هذا أفضل، لو كان شخصًا سليم النية لذهب لبيتها واختار الطريق الصحيح ليصل إليها.

وقلبها الأحمق الذي تورط ما زال يبحث عن مبرر لغيابه، لكن مع كل يوم تزداد شكوكها ويتراجع الأمل.

ربما فعل هذا ليعلقها به، تلك الخدعة الأزلية التي يستخدمها الرجال، وكم هي حمقاء لتعترف أنّها تورطت تمامًا. كانت تفتقده بشدة ومهما حاولت الادعاء كان الشوق لرؤيته مؤكدًا.

منذ متى تعرفه وماذا تعرف عنه أصلًا، سوى ما كان يخبرها إياه كلما التقاها، عن حياته وأسرته، بينما تدعي هي عدم الإنصات، وقلبها كان

يحفظ كل كلمة ينطقها.

تنهدت بإحباط وحزن بينما تأخذها خطواتها الشاردة إلى الحديقة العامة التي اعتادت الذهاب إليها كلما شعرت برغبة بالاختلاء بنفسها. حين وصلت اتجهت لشجرتها الأثيرة هناك، أكبر أشجار الحديقة وأقدمها، جلست أسفلها وأخرجت كتبها لتدرس لكنّ عقلها لم يركز على ما تقرأه.

تنهدت وهي تسند ظهرها للشجرة وغمغمت تخبرها كما تعودت

"أنا حمقاء للغاية وساذجة، صحيح؟"

رفعت عينيها تنظر للأغصان الوارفة والتي اهتزت مع الرياح، وابتسمت مربتة على جذعها بحنان
"لا يُفترض أن تؤكدي صحة كلامي أيتها العجوز الحكيمة"

وعادت تتنهد وهي تسند جبينها للجذع وتغمض هامسة
"أعرف أنّه مر عليكِ الكثير من البشر، ربما وقف أمامكِ مئات المحبين يتبادلون عهود الحب. هل كنتِ تعرفين من الصادق منهم ومن الكاذب؟"

صمتت قليلاً تتذكره، وجهه، وابتسامته، وأحاديثه، ثم واصلت بخفوت
"هل تعتقدين أنّه من الأفضل أنّ نظل على أوهامنا الحلوة أم نعرف الحقيقة مهما كانت مرة ومؤلمة؟"

انقبض قلبها وهي تتخيل احتمالية أنّ يكون مخادعًا وأسرعت تهمس
"بالتأكيد ليس مخادعًا، صحيح؟"

وعادت ترفع رأسها متابعة بشيء من الرجاء
"هل هو صادق؟ هل يحبني أو على الأقل معجبٌ بي؟ أم أنّه"
صمتت فجأة عندما دوى صوتٌ عميق
"إنّه صادقٌ يا ابنتي الغالية"

قلوبٌ عصيّة (سلسلة حكايات الحب والقدر ج٣)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن