قلوبٌ عصيّة (سلسلة حكايات الحب والقدر ج٣)

الفصل السابع عشر

رفعت رواء كفيها تضم سترتها إليها مع عصف الريح الباردة، تعلقت عيناها بالغيوم التي ملأت السماء، غيوم مثل التي تطفو بعقلها منذ أيام، تشعر أنّها انزلقت في فقاعة زمنية معزولة عن العالم، تتحرك بخواء ولا تتفاعل مع شيء.

منذ لقائها بجد سالم وعودتها لبيتها مثيرة رعب شقيقتيها بالحالة التي كانت فيها، لا تتذكر كيف وصلت هناك ولا كيف كانت. كل شيء مشوش في ذاكرتها، تتمنى لو كانت في كابوس وستستيقظ منه في أي لحظة.

اللحظة التي عرفت فيها خيانة سالم كانت النهاية لكل شيء، نهايتها وموتها، لم يعد يفرق بأي طريقة يقضي جسدها البالي أيامه الباقية على الأرض، ربما الزواج من رجل لا تحبه وسيلة مناسبة.

بأمر المنصوري أو رغبة والدها، لا فرق.

وكأنما أخرى من كانت تتحرك، وجدت نفسها تتصل لتبلغه موافقتها، أخبرها أنّه سيثق بكلمتها لكنّه لن يرحمها إن أخلت باتفاقهما وكان عنده وعده.

خلال أيام انتهى كل شيء كأنّه ما كان وتمت تبرئة والدها وعودته للبيت، وعادت الحياة لبيتهم لكنّها كانت أبعد ما تكون عنها، كان الكل سعيدًا لكنّها كانت ترتدي أكفان تعاستها القادمة.

حتى سمراء ظهرت براءتها واتصل أحد مدرسيها ليبلغهم أنّهم وجدوا السارق الحقيقي، هي وحدها كانت تعرف الحقيقة ولم تنطق بحرف وسمراء رفضت العودة إلى المدرسة هي وطيف وأصرتا على الانتقال منها.

رفعت عينيها للسماء حين شعرت بقطرة تلامس وجهها، ثم أسرعت خطواتها لتسبق هطول المطر. لماذا لا تتحول الآن إلى سحابة فتتساقط مطرًا وتنتهي كل هذه المعاناة؟

صوت صرير اخترق سمعها لترفع عينيها وتشهق مع رؤيتها سيارته تقطع عليها الطريق. عقلها بالتأكيد يُخيل إليها أنّه هنا، يندفع نحوها بوجه عاصف وخطوات يحكمها الانفعال والغضب المكبوت.

ماذا يفعل هنا؟ هل تراه حقًا أم أنّه وهم كالعادة؟

لم يكن وهمًا، كان سالم وقد أتى فجأة بعد تلك الأيام من الغياب. لماذا أتى؟ كيف يجرؤ على الظهور أمامها هكذا؟

اقترب منها بينما ظلت هي على نظراتها المصدومة

"رواء، يجب أن نتحدث"

ارتجفت شفتاها بحثًا عن رد لكنّها لم تستطع، نداؤه انتزعها أخيرًا من حالتها فتراجعت بشراسة

"ماذا تريد؟"

تلفت حوله بتوتر واقترب الخطوة التي ابتعدتها

"رواء، أرجوك. يجب أن نتحدث، تعالي معي بسرعة"

"ابتعد عن طريقي، ﻻ أريد التحدث معك أو"

منعها من الابتعاد ممسكًا رسغها يشدها لتقف

"سنتحدث يا رواء، قلت لك"