-٣٢- اتهام بالقتل

4.7K 377 74
                                    

تعلقت بذراعه كالطفلة المذعورة ترفض ذهابه بعيدًا عنها وكأن لا دنيا لها بدونه بل وكأن لا حياة في غيابه لذا حاولت قدر الإمكان التشبث به علهم يزعنون لرجائها ويطلقون سراحه أو يأخذونها برفقته، لكن رغمًا عنها أفلت من بين يديها في النهاية عندما جذبه بعنف إلى الخارج إحدى الرجال مفتولي العضلات ذات السُترات الرمادية والذى يُطلق عليه اسم (مُخبِر) بأمر من الضابط المسؤول، والذى رفض بتعنت إعطاء مصطفى المُهلة اللازمة لتغيير ملابسه البيتيه وكأنه يُكن له العداوة المُسبقة دون أن يعرفه ..

بدا ذلك الأخير مستسلمًا ساكنًا صامتًا بعكس زوجته التي تعالى صوتها من ورائه بجزع غير قادرة على استيعاب ما يحدث، يتهاوى قلبها من وراءه أرضًا كلما خطا خطوة واحدة بعيدًا عنها، فتبعته حتى مُنتصف الدرج غير واعية لملابسها الغير ملائمة لذا أرتَدَّت إلى المنزل من جديد حيثُ ارتدت معطفها الطويل المجاور لباب المنزل على عجل أعلى ملابسها البيتية واحتفظت بغطاء رأسها الذي تلفحت به من قبل عند قرع الباب، وبخطوات مُثقلة مهمومة مرتعشة تناولت هاتفها وبعض النقود والمفاتيح الخاصة بها أثناء تنعلها لحذائها قبل أن تتبعهم إلى الأسفل بأعين زائغة وملامح تائهة، فبدت كالمنكوبة التي تبحث عمن يغيثها، كالغريقة التي تبحث عن ذراعين ينتشلوها من غرقها، لذا استقلت على عَجل ودون تفكير أول سيارة أجرة صادفتها للحاق بزوجها إلى قسم الشرطة ..

*****************************

هُناك في ذلك الركن الباهت المُتهالك الشبه مُظلم رأته يجلس بشرود أعلى المقعد الخشبي الطويل مُستندًا برأسه على الحائط الغير نظيف من ورائه بينما يديه مُكبلتين بالأساور الحديدية، لكن مظهره الأنيق وملابسه البيتيه وروب المنزل الصوفي الباهظ الثمن الذى كان يرتديه سهل مهمة العثور عليه حيثُ ظهر بصورة مُلفِتة كإحدى بشوات العهد الملكي البائد المُحاط بالعامة من الشعب ..

توجهت الأنظار إليه بإعجاب مُختلط بالدهشة، فجسده المفتول وجزعه الطويل ووجهه الوسيم المُتوج بشعيراته اللامعة التي غلبها الشيب بشكل منظم راقِ، كُل ذلك كان لا يتماشى مع من يُشاركونه مقعده من معتادي الإجرام ذات الأعين الجاحظة والشعور المشعثة والوجوه المُخيفة التي لم تخلو من الندبات الحديثة مختلفة الأشكال والأحجام ..

هدأ قلبها فور رؤيته وكأن روحها رُدت إليها واستطاعت التقاط أنفاسها أخيرًا، فجففت دمعاتها على عجل قبل أن تدنو منه بخطوات بطيئة ثابته لم يُلاحظها هو في ظل شروده، وقبل أن تصل إليه توقفت عندما اقترب منه إحدى العساكر وجذبه إليه بعنف قائلًا بلهجة آمرة :

_ قوم رئيس المباحث مستنيك ..

تسمرت عيناها عدة لحظات على زوجها والذى طالما كان يبدو شامخًا واثقًا يتبختر في مشيته بخيلاء وزهو كالطاووس، تراه الآن يخطو بضعف وخضوع يداه مُكبلتين أمامه بإذلال مُطأطأ الرأس لا يقو على رفعها مُنحني الظهر وكأنه قد جاوز المئة من عمره ..

(كلهم مصطفى أبو حجر؟) النسخة الورقية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن