-١٢- شر لابُد منه

5.9K 488 39
                                    

مر ما يقارب الشهرين على تلك العلاقة الغير صريحة بين الطرفين، وبالرغم من كثرة اللقاءات بينهما تحت ستار مُتابعة عملها الروائي الأول إلا أن مسار الحديث غالبًا بل دائمًا ما كان ينجرف نحو تفاصيل حياتهما الشخصية، ونحو حياتها هي بالأخص، فأصبحت كالكتاب المفتوح أمامُه، يعلم كُل تفصيلة مرت بها، يعلم متى يُثير إعجابها ومتى يُحرك غيرتها ومتى يُذيب خجلها، يعلم جيدًا كيف يجذبها إليه وقت يشاء وكيف يتملص منها في بعض الأحيان إذا أراد، يعلم جميع نِقاط ضعفها ومواضع قوتها ..

حتى هي نفسها باتت امرأة أُخرى، أشرق وجهها وازدادت لمعة عينيها بمجرد تواجده إلى جوارها وبداخل حياتها، فأصبحت تلجأ إليه في كُل مشكلة تواجهها مهما كانت صغيرة فأشعرها باحتوائه وتفهمه، وعقب استردادها لثقتها بنفسها تحسنت علاقتها بوالديها وسعت هي الأُخرى لإرضائهما قدر الإمكان، شعرت بلذة القُرب من إبنتها واللهو معها بعد أن أحبت الحياة وشعرت بقيمة كيانها المُتفرد، وادركت بأن قيمتها لم تنحصر في كونها أُم فقط ولا في احتلالها مكانة ذات أهمية في حياة ذلك الكاتب العظيم، بل هي ادركت في النهاية قيمة قلمها وقوته، قيمة احساسها وخيالها، وذلك بعد نجاحها في روايتها الأولى بهذا الشكل المُبهر والذى لم تتوقعه مما زاد ثقتها بصِقل موهبتها فبدأت التفكير في مستقبلها ككاتبة خاصة بعد أن أخبرها مصطفى العديد من المرات برغبة أكثر من دار نشر في طباعة روايتها، فتحمست بشدة لكنها في النهاية رضخت لنُصحه لها بالتريث قليلًا حتى يأتي العرض الأفضل للجميع ..
وكعادتها لم تُجادله، فهي تقتنع بكُل كلمة تصدر منه دون تفكير، كيف لا وهو مثلها الأعلى وأيقونة سلامها الذى ساعدها على اكتشاف ذاتها بل ووضعها على بداية طريق النجاح ..
من الغريب أنها لم تشعر بالضيق أو الغيرة ولو لمرة واحدة عند قراءتها لكلمات المديح والإطراء تُوجه إليه بدلًا منها من قارئي روايتها، وكأنها تُهديه نجاحها بل وتشعر بالفخر بأن أسلوبها مُقارب إليه حتى أن القُراء لم يستطيعوا التمييز بين كتاباتهما..

أما عن أسامة فقد عَلِم بل وتيقن من وجود آخر دون أن تنطق هي أو حتى تُحاول إخباره، بل يكفى ابتسامتها ووجهها المُشرق ولمعه عينيها التي انتظر كثيرًا أن تبرق لأجله من جديد لكن يبدو أن آخر سبقه وأعاد إليها الحياة، ففي كُل مرة يتوجه فيها إلى منزل والديها على أمل لُقياها ومُحادثتها تتهرب منه وتنزلق من بين أصابعه بنعومة كالماء الجاري الذي يصعب التحكم به أو السيطرة عليه، لذا قرر في النهاية التوقف عن ذلك العبث والالتفات إلى عمله، خاصة بعد أن أصبح شريك بنسبة كبيرة في إحدى شركات الإنتاج الحديثة والتي نالت مكانة مرموقة سريعًا في الوسط الفني، لذا زادت مسؤولياته ومشاغله التي انخرط فيها بكُل وجدانه مُحاولًا تناسي فشله في الحصول عليها للمرة الثانية، إلا أن وجهها المُنير وابتسامتها البشوشة لم يُفارقا خياله ولو لحظة، حتى في عالم أحلامه الصغير ..

(كلهم مصطفى أبو حجر؟) النسخة الورقية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن