-٣٣- مرارة الخذلان

4.1K 192 28
                                    

انهمرت قطرات المطر المُتتابعة ببطىء على الطريق الرمادي الهادئ والذى نظفته مياه الأمطار فبدا لامعًا براقًا بالأخص بعد أن خلا من المارة أو السيارات، كانت تلك اللافتة الشبه مُتهالكة على إحدى جوانب الطريق والذى خُط عليها حروف اسم (المقطم) غير واضحة البتة خاصة بعد أن اختفى قرص القمر في السماء المُلبدة بالغيوم والتي تُنذر بعاصفة شتوية ثقيلة قادمة في الطريق، لذا عم الظلام الدامس أرجاء ذلك الطريق الطويل بصورة شبه كُليه إلا من أضواء أعمدة الإنارة التي ارتعشت على جانبيه، فكان ثمة عمود واحد مُضاء بعد كُل سبعين مترًا تقريبًا ..
لكن هُناك ومن بعيد في منتصف الطريق ظهر في الأُفق ضوء خفيف ينبعث من كشاف سيارة مُسرعة تعمل مساحاتها الأمامية على عجل لتمحي المتبقي من آثار قطرات حبات المطر المُصطدمة بزجاجها ..
تسلل الرذاذ الخفيف إلى وجوه مُستقليها والذين علا وجوههم علامات الغضب المُختلطة بالقلق والاضطراب، بعد صمت ساد لأكثر من نصف الساعة قطعه السائق قائلًا وهو يُحكم اغلاق معطفه :
_ الجو شكله هيقلب جامد أنا بقول نرجع أحسن ونقعد نتكلم في أي مكان مقفول ..
إلا أن الجالسة بجواره أجابته دون تفكير :
_ إيه خايف ..
رمقها بنظره استخفاف قبل أن يقول مؤكدًا وكأنه يرغب في إرهابها :
_ أخاف من إيه، انتي اللي المفروض تقلقي ..
لاحت شبه ابتسامة ساخرة أعلى شفتيها ميزها هو بصعوبة على إثر الإضاءة الخافتة داخل السيارة، أتبعها صمت مُخيف واجم ظلل على أركان السيارة وكأن ملك الموت يُعلن وصوله، واستمرا على هذا الحال حتى وصلا إلى وجهتيهما ..

توقفت السيارة عن الحركة فوق تلك الأرض النتأة، وسُلطت كشافاتها المُضيئة بقوة على بقعة ما أمامها، فترجلت الفتاة من مكانها بهدوء عقب توقف المطر وتلفحت بوشاحها الأحمر الصوفي قبل أن تُولى السيارة ظهرها مُتأملة ذلك الفراغ المُعتم من أمامها أثناء وقوفها أعلى ذلك الحيز الصخري الغير مُستوي والمُبتل من إثر الأمطار المُتتابعة ..
بعد عدة لحظات ليست يالقليلة غادر هو الآخر مقعده لينضم إليها بعد أن انشغل تفكيره بما تُريده منه ولِما ذلك الإصرار الغريب للتواجد في هذا المكان بالتحديد في مثل هذا الوقت ..

لاح بمظهر نجوم السينما الأمريكية وهو يقترب منها بجسده الفارع المتناسق ومنكبيه العريضين في هذا المعطف الصوفي الباهظ وشعيراته المختلطة بالشيب من الوراء والتي تجلت بقوة على ضوء سيارته بعد أن ابتعد عنها عدة أمتار قبل أن يستقر بجوار تلك الواقفة، أدخل يديه بكبرياء داخل جيبي معطفه الدافئ فبدا مثل زعماء المافيا وهم على وشك عقد صفقة ما، بل أقرب لرجال المخابرات الذين يحاوطهم هالة من الغموض لعدم كشف هويتهم أثناء تبادلهم أسرار الدول العظمى ..
بعد عدة دقائق أخرج مصطفى يديه من داخل جيبي معطفه لإشعال سيجارته والتي سُرعان ما التقطت شعلة النار الصغيرة وأضاءت كجمرة صغيرة وسط ذلك الظلام، فظهرت عينيه الضيقتين وشفتاه الجافة إلى حد ما والتي لعقها لترطيبها قبل أن يقول وهو ينظر إلى الظلام من أمامه :
_ أعتقد تقدري تتكلمي دلوقتي ..

(كلهم مصطفى أبو حجر؟) النسخة الورقية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن