-٧- اعتراف منسي

6.9K 457 65
                                    

  "وحشتيني"

خرجت منه تلك الكلمة بنبرة شبه هامسة بطريقة خافتة وكأنها أتت من أعماق أعماق قلبه المُتلهف وليس من على أطراف لسانه، كان يتشرب ملامحها باشتياق شديد بعدما قضى العديد من لياليه يُفكر فيما قد يكون تغير في شكلها ...

كان قد تخيلها وقد ازداد وزنها بعض الشيء وفقدت بعضًا من ملامحها البريئة الرقيقة ولرُبما تغيرت نظراتها وشكل ابتسامتها، لكنه ما إن رآها حتى وجد عكس ما توقعه تمامًا؛ فها هي فتاته التي كان يبحث عنها، لقد نضجت وكأن قامتها قد طالت بل يبدو وكأن جمالها قد زاد، إلا أن تلك النظرة العابثة بعينيها والتي طالما أحبها لازالت أجمل ما يميز وجهها المُشرق رغمًا عن مسحة الحزن التي أطفأت بريقها وقللت من شغفها ..

لقد انشغل في تأملها وإشباع عدستيه منها لدرجة إنه لم ينتبه إلى رنين هاتفه المتواصل والموضوع أعلى الطاولة من أمامه، بعكسها هي التي حاولت اختلاس النظر إلى هوية المُتصل، وعندما فشلت في ذلك، رفعت بصرها إليه مُشيرة إلى هاتفه دون أن تتحدث، إلا أنه لم يُلاحظ من نظرتها تلك سوى لون الكراميل الذى تميزت به عدستيها، والذى طالما أحس بنعومتهما التي تجذبه إليهما دون مقاومة منه، تمامًا كالكُثبان الرملية المُتحركة الناعمة التي تُغريه برخاوتها للغوص بداخلها، فيُصبح قاب قوسين أو أدنى من الغرق بداخل أنهارها من العسل المُصفى ..

وتحت ذلك السيل من النظرات، لم تستطع هي التماسك وإظهار القوة لأكثر من ذلك، فبدأت في فرقعة أصابعها بتوتر وهى تقول راغبة في تشتيت أنظاره عنها :

_ أتفضل العصير ..

إلا إنه أعاد كلمته من جديد بنبرة أقرب للرجاء تلك المرة قائلًا بصدق :

_ وحشتيني ...

ازدردت لُعابها بشكل ملحوظ قبل أن تتساءل بتهكم مُرتعش :

_ وحشتك ؟

ابتسم بهدوء وهو يتطلع إليها بشغف منتظرًا التماع ذلك البريق الخاص داخل عينيها من

 أجله كما أعتاد، إلا أن نظراتها المُرتبكة لم تتغير فأصابه الإحباط لبضع ثوان قبل أن يتساءل باستغراب وكأنه لا يعلم سبب استنكارها :

_ آه وحشتيني.. هو أنا موحشتكيش ولا إيه !

رفعت هي نظرها إليه من جديد بإصرار وجدية كأنها تقوم بعمل هام مُحاولة التأكد من هوية ذلك الجالس أمامها، أهذا هو من رفضها من قبل ؟

أتلك هي نفس نظرات عيناه الصارمتين واللتين نادرًا ما تطلعتا إليها بإعجاب؟ الآن تطل مِنهُما كُل تلك اللهفة والصبابة مُشيرة إلى لسان حالُه فاضحة أشواقه إليها !

أهذا هو وجهه الصلد الضنين الذى أعتاد ألا يبتسم أمامها إلا فيما ندر؟ الآن تنفرج شفتيه عن آخرهما بابتسامة تحمل خفقات قلبه حتى ظهرت أسنانه المصطفة كاملة وكأنه في أوج سعادته لرؤيتها !

(كلهم مصطفى أبو حجر؟) النسخة الورقية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن