-٣٩- ماقبل البداية

1.4K 69 6
                                    

كانت الغيوم تُتابع عزف لحنها تلك الليلة الشتوية القارصة، فقد كان صوت المطر حزين يُحرك بداخل البشر الإحساس بالشجن والحنين لشيء ما خاصة بعد أن توسد الغيم السماء فلم يبدو للقمر أثر وكأن مصدر النور الوحيد في الحياة قد اختفى بلا رجعة، بدت الطرقات كأيبة مُظلمة في تلك الليلة بالثُلث الأخير من الشهر الأول لذلك العام الجديد، إلا أن ماحدث هذه الأُمسية جعل الجميع غير عابئًا بحالة الطقس بل سيطر على أجسادهم الحماس تاركًا بداخلهم ذلك الإحساس بالدفء والحرارة وكأنهم في إحدى ليالِ يوليو الحارة ..

بداخل تلك السيارة كانت تجلس هي بجواره كالسابق أعلى هذه الأريكة المُريحة لليموزين السوداء تتأمل وجهها بداخل مرآتها الصغيرة وكأنها تراه لأول مرة، تطل من عينيها نظرة ثقة وتحد وكأنها ملكت زمام الأمور بينما هو بجوارها يُربت على كفها الموضوعة أعلى ساقها رغماً عن توتره الواضح ليقول بإعجاب :

_ فيكي حاجة مختلفة النهاردة ..

نظرت إليه بطرف عينيها دون أن تُجيبه بل اكتفت بابتسامة رقيقة قبل أن تضع مرآتها داخل حقيبتها قائلة بثبات وكأن الأدوار قد تبدلت :

_ أجهز ...تقريبًا وصلنا ...

تأملها عدة لحظات في مُحاولة منه لتحديد ذلك الاختلاف الذى طرأ عليها مُنذ نجاته من أزمته السابقة، فهو لا يشعر بها كما عهدها دائمًا، فليس الاختلاف في مظهرها الخارجي وحسب بل هناك شيئًا ما بداخلها يفشل هو في التعرف على هويته، شيئًا لم يألفه قط في طباعها ويعجز عن السيطرة عليه كعادته ..

بعد بضع دقائق كانا في طريقهما لاجتياز تلك الدرجات الصغيرة والمؤدية إلى الداخل، حيثُ استقبلهم جيش من الصحفيين جاءوا لأجله خصيصًا بعد أن أصبح حديث الموسم، فحاول كُلًا منهم باجتهاد واضح التقاط العديد من الصور للظهور الأول للمُتهم البريء ..

وفى خضم ذلك اقترب أحدهم وتصاعدت كلماته بصوتٍ عال كي يصل إلى مسامع مصطفى الذى جاهد هو وزوجته للمرور من ذلك الازدحام، فقال دون مقدمات :

_ إيه صحة الكلام اللي اتنشر الفترة اللي فاتت بأنك بتسرق كتاباتك من ال.......

لكن شمس أوقفته بنظرة صارمة من عينيها قائلة وهى تجذب مصطفى من إحدى كفيه لتجاهل المتحدث وتجاوزه :

_ الأستاذ هيوضح كل حاجة في الندوة النهاردة، ووقتها تقدر تسأل عن كُل اللي انت عاوزه ..

ازدادت خطوات مصطفى اتساعًا كما الحال في خطوات زوجته الجادة في طريقهما إلى داخل تلك القاعة الدافئة، كان يبدو عليه الاندهاش والاضطراب من كلمات الصحفي السابق إلا إنه حاول جاهدًا إخفاء ما يعتريه، لكنه في النهاية لم يستطع سوى سؤال زوجته بقلب مُرتجف :

_ إيه اللي هو بيقوله ده، يقصد إيه بكلامه ؟

أجابته بجدية وهى تُتابع خطواتها إلى الأمام بثقة دون أن تنظر إليه :

(كلهم مصطفى أبو حجر؟) النسخة الورقية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن