لم يكن قد تجاوز الأربع والعشرون من عُمره عندما قابلها لأول مرة في إحدى ورش تعليم الكتابة المرموقة في أواخر التسعينات ..
التفت برأسه كجميع الجالسين إلى ذلك الباب الخشبي الداكن الذى ارتفع صريره من ورائه، فتوقفت عيناه على تلك الصغيرة المُرتبكة والتي بدا عليها أنها لم تتعد سنواتها العشرون بعد، تطايرت شُعيراتها القاتمة القصيرة حول وجهها الأبيض المُنير بشغب بفعل تيار الهواء الخريفي الناتج عن فتح باب القاعة والذى ساهم في دفعها إلى الأمام دفعًا رغم مُقاومتها نظرًا لصغر حجمها ونحول جسدها، إلى أن قام أحدهم بإغلاقه من ورائها فتوجهت هي إلى إحدى المقاعد الخالية تعتليها على استحياء شديد واطرقت برأسها خجلًا دون أن تنبس ببنت شفة ..
راوده ذلك الشعور المُميز الحالم حينها وكأنه يُتابع فيلم سينمائي برزت إحدى بطلاته بالتصوير البطيء لتخطف أنظار البطل الذي احتبست أنفاسه إثر مراقبتها ..
فظلت عينيه مُثبتة عليها طوال الورشة رغمًا عنه إلى أن أنفض الجمع بعد حوالى الساعة عقب انتهاء المحاضرة، فرآها تُلملم مُتعلقاتها بتوتر شديد وكأنها طفلة تعجز عن ترتيب حقيبتها بعد أن لاحظت سُرعة مُغادرة الحضور بعشوائية مُربِكة بينما هي لازالت في مكانها، لذا اقترب منها هو عارضًا مُساعدته بلطف ..
ابتسمت له بخجل دون أن تنطق فأعانها على ترتيب ما تبقى من أشيائها ليلاحظ في النهاية خلو القاعة من البشر إلا منهما، كادت أن تُغادر مُسرِعة فور انتهائها لكنه استوقفها قائلًا بصوته الدافئ من ورائها :
_ مصطفى أبو حجر ..
التفتت إليه بابتسامة هادئة رقيقة قائلة بلكنة غير مصرية واضحة :
_ نوال طلال ..
مد يده مُصافحًا قبل أن تبرُز تلك الابتسامة الآسرة من بين شفتيه وهو يقول بثقة :
_ مش مصرية صح ..
صافحته بوجنتين مُتوردتين نضحا على وجهها الأبيض فبدوا كحبتي كرز نضجا بداخل أرض مُغطاه بالثلوج، وبصعوبة قالت وهى تُحاول الهرب من عينيه المُسلطتان عليها :
_ أردنية ..
ازدادت ابتسامته جاذبية بعد أن لمح لمعة الخجل داخل عينيها فتعمد الاحتفاظ براحتها الصغيرة داخل كفه لبضع لحظات قبل أن تقوم هي بسحبها من بين خاصته بصعوبة قائلة وهى تنتوي المُغادرة :
_ عن إذنك ..
أسرعت الخُطى مُغادرة بينما هو قال من ورائها بصوت واضح بعد أن حك مؤخرة رأسه بكفه :
_ هبقى موجود بكرة في الورشة، أنا هِنا كل يوم ..وكما توقع لم يخب ظنه بها والتقيا في اليوم التالي، وفى تلك المرة تعمد هو الجلوس على مقربة منها دون أن يُحادثها، إلا إنه رغم ذلك لم يفُت عليه نظراتها التي سُلطت عليه بين الفنية والأُخرى، لذا في اليوم التالي ودون مقدمات تجاور مقعديهما عن عمد لم تُمانعه هي بل بدت وكأنها مُرحبة، فتلامست الأكتاف بعفوية لأكثر من مرة، وفى كُل مرة كانت تتبعها ابتسامة اعتذار منه تارة ونظرة خجل منها تارة أخرى، وظل كليهما على هذا المنوال حتى أنه لم يكتمل الأسبوع إلا ونشبت علاقة صداقة بين الطرفين تشوبها البراءة والخفر من طرفها بينما يُسيطر عليها الإعجاب والانجذاب الواضح من طرفه ..
![](https://img.wattpad.com/cover/223135532-288-k520285.jpg)
أنت تقرأ
(كلهم مصطفى أبو حجر؟) النسخة الورقية
General Fictionتدور أحداث الرواية حول فتاة في الثلاثين من عمرها تقع في حُب كاتبها المُفضل وتلتقيه للمرة الأولى خلال فعاليات معرض الكتاب عن طريق الصدفة لتتوطد العلاقة بينهما فيما بعد وتنتهي بالزواج .. ظنًا منها أنها قد أحسنت الاختيار تلك المرة ولكن فجأة تتعقد الأمو...