-١- درب من الخيال

11.9K 565 36
                                    

(( الجميع بانتظاره .. ))

هذا هو ما حدث به نفسه مُذكرًا قبل أن ينشغل من جديد بما يفعله غير مُكترث إطلاقًا لذلك الرنين الرتيب المتواصل ذات النغمة المرتفعة نوعًا ما والذى صَدر من هاتف أبيض اللون مُلقى بإهمال فوق تلك المنضدة الخفيضة التي تحمل المرآة والذى ما لبث أن توقف بعد عدة ثوان، تاركًا الفرصة لذلك الصفير الهادئ المُتناغم للظهور والذى خرج من بين شفتيه المذمومتين أثناء وقوفه أمام مرآته بزهو وشموخ كإحدى ملوك العصر القديم البائد ..

لاحت نظرات الغرور والتباه بداخل عدستيه وهو يتأنق مُضيفًا اللمسات الأخيرة لمظهره، فهاهو قد ارتدى ساعته "الرولكس" السوداء ذات العقارب الزرقاء المُنمقة والتي تُشبه كثيرًا كُل تفصيلة به، ارتفعت أصابعه الطويلة ذات الأظافر النظيفة المُقلمة إلى مُقدمة رأسه يُعَدِل من وضع تلك الخُصلات الهاربة ليُعيدها سيرتها الأولى بجوار مثيلاتها السوداء المُختلطة بالشيب ..

توقف عن إصدار صفيره المُتناغم بعد انتهائه من وضع عِطره المُفضل، ليستنشقه داخل رئتيه باستمتاع قبل أن تنفرج شفتاه عن ابتسامة صغيرة واثقة أظهرت جزء من أسنانه البيضاء المصقولة بينما تلاقت عدستيه الباسمتين سوداوي اللون بانعكاسهما داخل المرآة وهو يضع قلمه الفضي المُفضل داخل الجيب العُلوى لسُترته الرمادية الأنيقة ..

وقبل أن يستدير مُغادرًا، استوقفته إحدى التجاعيد الصغيرة والتي بدأت بالظهور على جانبي عينيه بشكل واضح لم يلتفت هو إليه من قبل، بخلاف تلك التي تظهر دائمًا عند جانبي فمه فور ابتسامه؛ بل والتي يتعمد إظهارها في بعض الأوقات مثل تلك اللحظة، ازدادت ابتسامته انفراجًا بشكل مسرحي كي يتمكن من تأمل تجعيداته بشكل شامل، فالتمعت مقلتيه بتيه وغرور جَلِىّ بينما صدرت من بين شفتيه ضحكة مُغتبطة قصيرة وكأنه أُوتى كنز من كنوز الدُنيا ..

وكيف لا ! وهُم إحدى أسلحته القوية التي تجعل الفتيات يتهافتن عليه دون تفكير، على رَجُلٍ، بل على كاتب أربعيني وسيم خالط الشيب رأسه وذقنه _ في حال ما أطلقها_ بصورة واضحة بينما وجهه تحلى بخطوط رفيعة شبه محفورة زادت من وقار ورجولة ملامحه المُتناسقة، فأزداد ملاحة وجاذبية داخل أعينهن الحالمة وخُرن أمامه صِراعًا في الحال ..

غادر غُرفته بخطوات بطيئة عندما بدأ رنين هاتفه بالتصاعد مرة أُخرى فتناول سلسلة المفاتيح خاصته وقداحته المُربعة الصغيرة الذهبية وعلبة سجائره البيضاء اللامعة الأنيقة وهاتفه الذكي أسود اللون، تاركًا ورائه ذلك الذى تداعت بطاريته وأوشكت على النفاذ من تواصل رنينه دونما انقطاع ..

كان قد ارتدى معطفه الصوفي المُفضل قبل أن يستقل سيارته الحديثة ويقودها بهدوء بعد أن قام بتشغيل إحدى أصواته المُفضلة وهو فى طريقه إلى (مدينة نصر) حيثُ معرض الكتاب السنوي ليحضر أولى ندواته لهذا العام وحفل توقيع روايته الجديدة ..

(كلهم مصطفى أبو حجر؟) النسخة الورقية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن