الفصل الثامن

9.4K 312 28
                                    

الفصل الثامن

لم تكد امل تكمل كلامها حتى تعالت طرقات الباب لتقبل مرام وتنهض قائلة
:- سارى من هذا الذي تحنن علينا وطرق بابنا فمنذ ان غادرت ندى هذا البيت لم يزرنا احد ابدا
بالكاد استطاعت ان تسيطر على تلك الغصة المصاحبة لذكر ندى فهي للان لا تصدق بان اختها غادرت بتلك الطريقة غادرت دون ان تتمكن من الاطمئنان عليها معرفة اخبارها او ما يحصل معها
فتحت الباب لترى اخر شخص توقعت ان تراه في تلك اللحظة لتقف امامه وتتحفز كلها وهي تتمنى لو انها تستطيع ان تجعله يختفي بالتو واللحظة
ابن السلطان سبب المصائب ومصدرها ولكن القلق الذي سيطر عليها وهي تقترب منه بتوجس وتسأله بدون مقدمات
:- ما الذي حصل لندى ؟؟؟؟؟؟؟
.................................................. ..........
فتحت عينيها ببطء وهي تشهق بقوة تتنفس هواءا مختلفا هواءا يشبه فردوسها الغالية هواءا مشبعا برائحة الامل والحب هواءا محملا برائحة الغوالي والاحباب تلفتت حولها لترى اين هي فتتذكر كل شيء وهي تنظر للجدران الباردة تلك الخالية من الروح بل تلك التي تقتل الروح بالوانها القاتمة ولكنها تكاد تقسم انها تعرف هذه الرائحة تلفتت مرة اخرى وهي تشعر بوخز مؤلم بذراعها الايسر المعلق بحامل للسيروم علقه لها الطبيب لتذهب فورا في سبات عميق اشبه بغيبوبة لم تفتح عينيها الا الان تذكرت اسمر فهمت بالنهوض لتتسمر فورا وهي تستمع للصوت الذي اعاد الروح لاوصالها وبث الحياة بكل جسدها
:- انظر يا صغيري ها هي امنا قد قررت النهوض اخيرا
شهقت ندى فورا بالبكاء وهي تناديها بلهفة لتقترب امل بلهفة مماثلة وترتمي لجانبها وهي تسند الصغير لقلبها بحركة حانية وتحتضن اختها بحب وتشهق ندى وهي تتعلق بها بكل قوتها و تقول
:- يا الهي اشتقت لك حبيبتي
كانت ندى تشهق وتبكي وهي تتلمس وجه شقيقتها شعرها لتعود مرة اخرى وتشدد من احتضانها
:- وانا ... والله وانا حبيبتي
تأوهت ندى بصوت عال وهي تشعر بالوخز يزداد وبأن يدها تكاد تفلت من الابرة المثبته بوريدها لتبتعد امل عنها بجزع وتضع الصغير على السرير لجانبها وتقترب من السيروم لتضبطه بحركات حرفية وتخرج الابرة من يدها برقة بالغة وتضع لاصقا بورود ملونة على يدها لتبتسم ندى فورا ودموعها تسح من عينيها
:- اذا فقد ورثتني وانا بالحياة انها لاصقاتي العزيزة
جففت امل دموعها وجلست بالقرب منها لتسند رأس ندى على كتفها وتقول لها بلوم مبطن
:- حبيبتي ما الذي حصل لقد كدت اموت حين رأيت ابن السلطان وجه الشؤم ذاك واقفا عند بابنا ... هل اذاك ندى ؟؟؟ اقسم انني ساقتله اخبريني فقط اخبريني ارجوك لا تفعلي كاسما اخبريني ارجوك ندى ساموت اقسم انني ساموت ان حصل لك اي شيء اما ان كان هو السبب فساقتله اولا ثم اموت بعدها
رفعت ندى رأسها لتتطلع لوجه شقيقتها المتألم الغارق بالدموع وهي تخبر نفسها بان امل الرقيقة لم تعد رقيقة بان الالم والخوف والوجع رسم اثاره على وجهها الجميل
:- ما بالك والقتل يا ابنة المعلم ما هذا العنف اخبريني بمن كنت تختلطين بعيدا عن رقابتي الابوية
ابتسمت امل بشجن وقالت
:- انه فراقك يا ابنة المعلم فراقك فقط والان اخبريني بما فعله بك ابن السلطان ؟؟؟
:- لم يفعل شيئا صدقيني انه الشوق القاتل امل اشعر بغربة غربة قاتلة موجعة توغل عميقا في روحي اشعر بانني اقتلعت اقتلاعا اشعر بانني فقدت جذوري فبت عرقا جافا يابسا ناشفا بلا حياة حتى الهواء حولي بات خانقا ساما اتفهمينني امل ؟؟؟
تنهدت امل وهي تقترب منها تحتضنها وقلبها يتقطع من اجل شقيقتها الحبيبة سندها الابدي لتقول اخيرا
:- حبيبتي لا يعقل ان تفعلي كل هذا بنفسك ندى انا ان لم اطمئن انك بخير لن استطيع العيش اخبريني ما الذي علي فعله ليتغير شعورك هذا ماذا علي ان افعل هل اقتل ابن السلطان ؟؟؟
لم تستطع ندى منع ضحكتها الخافتة التي انارت وجهها وهي تبعدها لتضربها بخفة على راسها وتقول
:- ليكن بمعلومك ان اسمرنا الصغير يستمع اليك وكلمة القتل التي تكررت بلسانك بحق من هو في الحقيقة والده لا يعتبر امرا جيدا بحقه لاجله فقط تحملي ابن السلطان البغيظ المغرور المزعج
تعالت ضحكات امل ووجهها ينشرح قليلا وهي تقول
:- حسنا حسنا حسنا اننا فعلا لا نقدم للصغير قدوة حسنة .. نظرت اليه لتحادثه بجدية :- نأسف من جنابك لاننا نذم بوالدك دون اعتبار لوجودك بيننا يا اسمر ولكنها حقيقة والدك متسلط مغرور بغيض جلف وقاسي وهذه افضل صفاته وعليك التعايش مع هذا
كانت امل تخفي عن ندى ملامح قلقها الذي يكاد يقتلها على مرام التي تركتها تحت رعاية الخالة امينة فهي والعم سالم علما كل شيء عما حدث في تلك الليلة المشؤومة لا تريد لندى ان تقلق وهي بمنفاها هنا بعيدا عنهم لا تريد لحالتها التي تراها عليها للمرة الاولى فهي اكثرهن قوة ثباتا وجلدا لم يهزها شيء ولكنها الان تراها بهذا الضعف المثير للشفقة
:- امل اين مرام لم لم تأتي معك ؟؟ لقد اشتقت اليها تلك الصغيرة وقلبي يؤلمني من اجلها
اجابت مرام وبنبرة حاولت اكسابها هدوءا بكل ما تقدر وتستطيع
:- حبيبتي لم اخبر احدا انني اتيت اليك اردت الاطمئنان عليك اولا وكذلك ان كان لا سامح الله وحصل لك اي مكروه فلا اريد شهودا على الجريمة التي كنت انوي ارتكابها بحق المغرور ... والان اخبريني هل انت بخير ندى وماذا يمكنني ان افعل من اجلك ؟؟
تنهدت ندى وعيناها غامتا لتقول اخيرا بصوت موسيقي مليئا بالشجن ارسل قشعريرة جعلت المستمع الواقف بالقرب من الباب يرتجف باحساس لذيذ مؤلم موجع بلذة وهو يستمع اليها
:- ان تجعلي وجه مرام الصبوح اول شيء اراه حالما افتح عيني ... ان اسمع زقزقة عصافيرنا الاثيرة تلك التي نحفظها ونطلق عليها الاسماء المضحكة وارى رفرفتها اللذيذة حول طعامها في حديقتنا ... ان ارى الاميرة المبجلة والدتنا وهي تعتصم بمملكة احزانها وعشقها الاثير واسمع صوتها الامر الذي يجعل قلبي يرفرف فرحا وانا اعلم بانها هنا معنا تتنفس تنشر عبقها الاثير الذي لا ينسى .... ان اراك وانت حولي تحضرين لي الشاي اللذيذ وتلك الفطيرة التي تصرين علي ان اخذها كاني طفلتك الصغيرة ... ان اركب دراجتي الحبيبة اقودها بطرقات فردوسنا الغالية ان ارى وجه هبة ووسام ونرجس والصغيرين يوميا كعادتي وانظر لشجراتي المعمرات طرقاتي الغالية التي احفظ احجارها صخورها نتوءاتها وحفرها الغير مرئية ان اكل فطائر الخالة امينة اللذيذة وابدأ نهار عملي بالمسابقة الكلامية مع العم سالم واهزمه كما افعل دائما ان افتتح مكتبتي اكلم روح والدي بين كتبها الاثيرة ازيح الاتربة عنها كما اعتدت المع انضدتها بكل الحب اقرأ قصص الحب اتنفسها كما افعل دوما اخبريني اي شيء من هذا تستطيعين ان تفعليه لاجلي امل فانا ان كنت قوية فقد فقدت وقود قوتي ما ان خرجت من دفء فردوسنا فلا طاقة بقيت ولا قوة ولا حتى رغبة بالعيش
كان قلب امل الفتي يتلوى الما وقهرا ارادت الصراخ والبكاء في احضان شقيقتها ارادت ان تسندها كما كانت تفعل دوما ولكنها لم تقدر نظرة واحدة لانهيار ندى الوشيك امامها امدتها بقوة عجيبة وهي تقترب من اسمر الصغير تحمله وتناغيه تحت انظار ندى التي ابتسمت في استجابة فورية لابتسامة الصغير الذي اشرقت بوجهه لتقول امل اخيرا
:- وهو ندى ؟؟؟ الا تفكرين فيه حبيبتي ان كنت لا تقدرين حملت انا الهم ساذهب فورا للسلطان واطلب منه لا ان اكون زوجة بل خادمة ومربية لصغيري الوسيم هذا ذكرى شقيقتنا وعبقها ندى .... ليس عليك ان تتحملي كل شيء دوما لست سوبر وومن اختي بل انت مجرد فتاة بمشاعر واحاسيس وقلب مرهف من الندى والورود لذا اخبريني وسافعل فورا اذهبي انت وسابقى انا الى جوراه فمهما كان ما سافارقه الا انه اهم لدي وجوده اهم ووعدي لوالدته رحمها الله اهم انه الالف والامان الذي سيدفأ قلوبنا وانا اتوق منذ الان لرؤيته رجلا واثقا قويا انظر لطوله الفارع وانا ارفع رأسي فهو سيكون طويلا للغاية ... اكملت بالم وانا اختي تنعمت بدلالك ورعايتك بما فيه الكفاية اذهبي ندى طيري وحلقي كما تريدين وانا ساقبل يدي السلطان ذاك ليرضى ان ابقى مكانك هنا
كانت عينا ندى تتسعان مع كل كلمة تنطقها امل لتشعرها بمدى ضعفها وصغرها امام شقيقتها الصغيرة الحساسة الهشة تلك التي كانت تخشى عليها وتقلق من اجلها اهي فعلا بهذا الضعف بهذا الانهزام هل سترضى بان يكسرها ذاك كما فعل بشقيقتها هل ستسمح بان تدمر حياة اسمر الصغير وامل وحتى مرام بضعفها وانكسارها وهي من وعدت ان تعتني بالجميع هي من اقسمت لوالدها بانها ستكون سندا لاخواتها
:- متى اصبحت هكذا ؟؟؟
ابتسمت امل وقالت
:- تقصدين تقمصي لدور الدجاجة الام الذي تتقنينه ؟؟؟؟
فقالت ندى اخيرا بحماس وهي تنفض عن روحها كل ذاك الخنوع والاستسلام تشعر بالقوة بالطاقة تدب في كل خلاياها ومسامها من كلمات امل فقط ورؤية العزيمة بعينيها الجميلتين
:- هل ستوافقين حقا ان تكوني خادمة حقا عند فارس ؟؟؟
اتسعت ابتسامة امل وهي تعض لسانها بحركة شقية وتقول
:- فقط لكي اضع له سما ما في الطعام اما ان اكون خادمة له فبعيدا عن عيني ابن السلطان وانفه
تعالت الضحكات لتقول ندى اخيرا
:- اسفة حبيبتي
:- ولم ؟؟؟
:- هكذا فقط اردت الاعتذار والان اذهبي فانا اكاد اموت قلقا وخوفا على امي ومرام ولكن عديني بالزيارة انت ومرام وان استطعت ان تقنعي امي بالمجيء او حتى هبة ارجوك ريثما احصل على هاتف في المنفى البارد هذا
:- ندى ارجوك لا اريد ان اقلق عليك حبيبتي الطبيب اخبرني بانك تعانين من فقر دم حاد ارجوك ندى لاجلي لاجل اسمر لاجل والدي لاجلنا كلنا لا تكسرينا ندى من فضلك جنني ابن السلطان اجعليه يدور على عقبيه عاقبيه وانتقمي لنا كلنا منه وانا من جهتي ساجعله يطفش منا ويهرب ساقفز له كل يومين مطالبة بتوصيلة لك الى هنا ما دام قد منعك من المجيء الينا فليأتي بنا اليك ها ما رأيك ؟؟؟
احتضنتها ندى بقوة وهي تقول
:- كل يومين امل سانتظركن
اكدت امل وهي تشدد من احتضان شقيقتها لها كل يومين حبيبتي

عشق السلاطين(الجزء الأول من سلسلة سلاطين الهوى) مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن