[الفصل الثالث والعشرون].

2.6K 92 1
                                    

[الفصل الثالث والعشروُن.]
#صهيل_الجياد.
***
تلك اللحظة تغيرت معايِّر نظرتهُ للأمُور، وقلبهُ يخفق بجِنُون غير  مُصدق ماكانت عليهِ قبلاً، ملابسها، مظهرها، وتقاربها لذلك القذر مُهاب، جعلتهُ يود أن يشقق تلك الصُور إلى قطع صغيرة مُتناثرة!
ولمحة الحُزن تُلوح بين مُقلتيهِ آسفًا وآلمًا عليهِ، لم يكُن يتصور بأنها كذلك، بأنها كانت تترُك ذلك الرجُل يلمسها ويترنح بجانبها بدُون خجل، وقلبهُ ينطُق لاتُصدق وعقلهُ يخبرهُ بأنهُ أحب شخص ليس مثلهُ، وقلبهُ يعُيد ذكرهُ لما أقترفهُ قبلاً معها، ولكن سيطر عقلهُ عليه تلك المرة.. وحسم الأمر.

أما تلك المسكينة كانت تُريد أن تخبرهُ بقرارة عزمت عليهِ حين جربتهُ، تريد أن ترتدي الحجاب تلك المرة بالخارج دائمًا، وحين فتحت الباب حين سمعت صوت إغلاقهُ، ولكن ملامح عُبيد وعينيهِ اللامعتين، جعلت أوصالها تقلق وتتُوتر بِشدة!
لتقترب منهُ وهي ترى بعض الصُور بحُوزة كفهُ يضمها بِقسوة، بُهتت حين لمحت منها جسدها، وأبتلعت لُعابها بخُوف شديد، ليس عليها بل على عُبيد.
نظراتهُ الحُزينة واللاَّمة والعتاب بين طيات عينيهِ ألمها بغتة، وكأنهُ يخبرها بأنهُ لم يتصُور فعلتها قبلاً بأن توصل لتلك الدرجة..
أردف:
- الصُور ديِّ حقيقية ياسديم؟
وهُو يعلم الجُواب سلفًا ولكنهُ ينتظر منها أن تكذبها، وأن تخبرهُ بأنها ليست حقيقية، وأن مُهاب يريد أن يتلاعب بأفكارهُ، ولكنها أخفضت عينيها وأخفضت طُموحاتهُ.. وهُو يشعر بألم يتسرب إلى قلبهُ وكأنها وضعت الخنجر بهِ ولم ترُد أن تستردهُ
- أزاي عملتي كده ؟ أنا مكنتش مُتصور أنهُ يوصل بيكِ معهَ للدرجة دي..هُدوم قصيرة، بار رقص، وأحضان و..
ولم يستطع لفظها، وحين رفعت عينيها وجدت الإنكسار بين مُقلتيهِ الباكتين، ليشعرُ بالسخط يلتحفهُ مرة واحدة ويقذف تلك الصُور على الأرض بِكُل عُنف يمتلكهُ..جعل جسدها ينتفض خُوفًا من أي فعل سيقُومهُ، ليبتعد عنها وهُو يحاوُل أن يلتقط أنفاسهُ المُتهدجة، يشعر وكأنهُ كابوس ويريد أن يفيق منهُ .. سارعت بتتبعهُ وهي تهتف برجاء:
- ماضي ياعُبيد، ماضي مُستحيل أرجعلهُ تاني، ماضي بندم عليه كُل يوم، ليه مش قادر تتجاوزهُ، ليه عايز توجعني وتوجع قلبك!!
وقف فجأة، ليستدير لها هاتفًا بغضب:
- بحاول يا سديم ..
ثُم علا صوتهُ يتحدث:
- بحاول طُول الوقت أنسى بس صعب، واحد بيحبك ويخاف عليكِ، لما يشوف الصور دي عايزاني أزاي أبقى كويس..
ثُم ضحك بإستهـزاء:
- أنا كُنت غلطان ياسديم، انا مستحيل أتجاوز ماضيكِ أبدًا، مُستحيل أحلم بحلم وأنتِ معايا ..
لم تفهم كلماتهُ، لتثور عليه باكية في الحديث:
- أنا مش فهماكَ، اللي بيحب بينسى وبيغفر، لما غلطت زمان مكنش حد معايا يقولي الغلط من الصح، أنتَ مكنتش معايا، مكنتش قادر تنصحني، قبل ماتعاتبني على أي غلط قولي كُنت فين لما كنت محتاجة النُصح؟!
لتتابعِ حين وجدتهُ صامت:
- كنت بتحاول تبعد عني علشان فاكر أنك مهما عملت مستحيل أشوفك وأسيب زين.. بالرغم لو كنت زي زين، بتحارب بأيديك وأسنانك مكنتش غلطت الغلط ده!
وجدتهُ يصك على أسنانهُ وابتسامة سخُرية تلوح بين شفتيهِ بسخط:
- والغلط بقى عليا دلوقتي ياسديم..
أقترب منها خطوات سريعة ليقول :
- مهما عملت صورك دي مش هتفارق عقلي، أنا راجل في الأول وفي الآخر، وأنتِ مش أي حد كان في حياتي ياسديم، أنتِ الوحيدة اللي حبتها، والوحيدة اللي كُنت عايزاها ليا ومعايا، محاربتش علشان كنت خايف أخسر، أخسر كرامتي وحتى فُرصي أني أشوفك!..
- لما كُنت بَشوف زين بيحُضنك كنت ببقى هاين عليا أضربهُ، بس مكنتش أقدر أعمل كده علشان كُنتِ هتكرهيني أكتر.
أقتربت منهُ حتى أصبحت في واجهتهُ لتقول وهي تحاول أن تمسك بكفيه:
- أرجُوك .. أنا م..
قاطعها وهُو يبعد يديه عنها في نفور:
- أنا كنت غلطان في الأول، حلمت حلم مش حلمي، حلمت أني أنا وأنتِ عايشين في سلام من غير تدخلات من أي حد، بحلم بأنك غير، أنسانة عارفة ربنا وبتتقي ربنا في نفسك وأهلك، بس .. بس أنتِ مش كده ياسديم، أنتِ كنتِ من كام شهر بتتخانقي معايا على اللبس وعلى الخروُج، وكُنتِ رافضة إني أسمحلك تخرجُي بالحجاب، أنتِ حتى مش بتصلي!! عايزاني أستحمل كل ده أزاي؟
أهتزت مُقلتيها تحاول كتم شهقاتها، تكره حديثه بتلك اللهجة والكلمات، تعلم بانها قصرت بحق ربها قبلاً، وتعلم بأنها كانت تنظُر إليه نظرات مهاجمة قبل أن تعي وتفهم كل شيءِ، ولكن الآن تغيرت .. لم تعُد تلك الطفلة المُتمردة، بل أصبحت آخُرى .. آخُرى تحاول أن تبذل قصاري جهدها بألا تخطأ بحق الله أولاً ثُم نفسها ثُم بهِ.
- بس أنتَ بتحبني ياعبيد، واللي بيحب بيسامح!
أبتعد خطوات كثيرة عنها يقول:
- أنا تعبت ومبقتش قادر  أتقبل أي حاجة ياسديم . لاقادر أسامح ولا أعدي اي حاجة بتمر عليا..
لينطق بعدها بثوانٍ:
- أنا خدت قراري، فترة جُوازنا خلاص هنتطلق وكل واحد يروح في سبيلهُ وتقدري تعيشي الحياة اللي أنتِ عايزاها..
ورغبة مُلوحة تريد أن تصرخ بها وتخبرهُ بأنها لاتريد إلا هُو في حياتهاـ أغلق باب غرفة من الغرف الفارغة، وسقطت أرضًا تبكي بشجن، وقلبها يتمزق وعينيها تلتقط تلك الصور الفاضحة، كم كرهت نفسها وكم أصبحت تكرهها أكثر الآن ..
- يارب .. يارب حلَّهالي يارب، مبقتش قادرة أعافر.. يارب أصلح الحال مابينا.

صهَيِّل الجِيَّادِ.✅حيث تعيش القصص. اكتشف الآن