[الفصل الرابع والعشرون].

2.6K 97 1
                                    

الفصل الرابع والعشرون.
#صهيل الجياد.
**
[ بعــد مرور ثلاثة أشهُر].
مرت تلك المدة كالمُر عليها، لم يأتي إليها أو يزورها أو حتى يكتفي بمهاتفتها بمكالمة واحدة، علمت بأمر خطبتهُ من سلمى، وأن الأمُور بينهم جيدة نوعًا ما، بالرغم من أن بيديها أن تراهَ .. ولكن ليس الآن.
أصبح يعمل بالشركة والجميع يتحدث عنهُم، لازالت زوجتهُ ولم يعطيها حق الأنفصال عنهُ حتى الآن.. ياتُرى ماالذي جعلهُ ينسى ذلك الأمر؟ أليس هذا ماكان يريدهُ حتى يرتاح..
عكس ماتوقعت من زين أنهُ من الممكن سيحاول الوصول إليها إلا أنها تفاجأت بهِ يأتيها ويخبرها بأنها إذا كان ماحدث بينها وبين عبيد بسببه سيذهب ليجعلهُ يعود إليها، وتفاجأت أكثر حين علمت بأن بلقيس حامل بالشهر الثاني..
يبدُو بأن الجميع يستطيع أن يتجاوزها إلا هُو، والذي لازال يعلق أمر الطلاق، لم يفاتحهاأحد عن سبب الأنفصال، بل لم يتحدث أحد معها، رن الهاتف أفاقها من شرودها.. لتجد بأن صديقتها التي تعمل حاليًا بِرفقة عُبيد بالشركة، وفُور أن فتحت المُكالمة، نطقت نسرين:
- عُبيد بيه لسه جاي حالاً، والمكتب النهاردة فاضي مش مشغُول، هتيجي؟
سكنت قليلاً ثُم تنهدت تُحاول أن تُفرغ زفراتها بهدُوء لابتوتر أو أضطراب، لتردف:
- آه، شُوية وهاجي.
بالرغم من أنها لازالت تكمل دراستها في فُنون، إلا أنها أصبحت تهتم بالاستماع إلى أمور أدارة الأعمال، لاتعلم لماذا أبتعد عُبيد عن حياتهُ السابقة  وأصبح يعمل لديهم، ولكنها تعلم بأنهُ ليس سعيدًا أو مُرتاح، أرتدت ثُوب طُويل لديهِ فتحة بسيطة من الصدرِ، وأسدلت شعرها، حين رحلت .. لم ترغب بإرتداء الحجاب فجأة، بالرغم من أنها تمنت أن تُقدم بتلك الخطُوة التي ستُريحها، ولكِن .. رحيلهُ وهجرهُ عنها، جعلها لاتريد فعل أي شيءِ سيأتي بالخير لها، وكأنهُ كان النسمة الهادئة في دُنيتها، وحين رحل أصبح الهُواء يخنُقها ويَسلُب راحتهـا.
نظرت إلى ملابسها بتُوتر وقلق، وظلت تدُور بالغرفة مِرارًا، وقلبها يخفق بصوتٍ عاليٍ، لتهتف لنفسها:
- وهُو لما يشوفني كده هيبقى مبسوط!!، أنا لسه مراتهُ..
ولكن تخلل لعقلها صُور خطبتهُ على سمر والتي أرسلتها سلمى لها بعد إلحاح طالَّ، لتنهض بعناد وتأخُذ حقيبتها، وتذهب إلى الشركة، طُوال الطريق تحاول أن تتخيل مظهره  بعد طُول الغياب، تذكرت عينيهِ الحزينتين والتي لم تكُف عن لومها مما فعلتهُ سابقًا..
ولكنها كانت لاتعلم ولاتُفرق بين الخطأ والصواب الآن، فكيف يعاقبها على أثم أرتكبتهُ قبلاً، بعد التفكير الكثير أثناء ذهابها، شعرت بالغضب يعتري صدرها بشدة، خطت بداخل الشركة بكُل ثِقة تملكُها، وعينى الجميع يتربص بها، زادت فتنة ذلك ماسمعتهُ من جميع الرجال أثناء مرورها عليهُم .. وتلك اللحظة شعرت بألم ينغز صدرها، تنفست الهُواء .. حتى فُتح المصعد ودلفت للداخل، وحين أُغلق الباب .. أغمضت عينيها بشدة ... تلك المرة الاولى التي تأتي الشركة بهِا .. وهي تعلم بوجودهُ.
خرجت من المصعد وعينيها تبحث عن مكتبهُ، وقفت قبالتهُ تحاول تشجيع نفسها بالتقدم وطرق الباب .. وفعلت بعد دقائق عديدة، نظرت إلى نسرين التي تبتسـم لها، ثُم سمعت صُوتهُ الرخيم يأذن لها بالدِلُوف، شعرت بتيبس جسدها، فـ وضعت كفها على مقبض الباب تفتحهُ، فـ باديء الأمر لم يرفع عينيهِ، فـ هُو ظن بانها نسرين أو غيرها مما يعملن معهُ، ولكن رائحة العطر لم تكُن غريبة عنهُ، ليرفع عينيهِ بهدُوء حتى رأها، أنتصب واقفًا بثبات وهُو يتفحصها بجُمود و..غضب!
حاولت الثبات وتقدمت بابتسامة أتقنت رسمها خلف قناع التوتر والقلق من أي رد فعل سيقُوم بهِ .. جلست قبالتهُ واضعة حقيبتها أمامها، تدارك نفسهُ وأعاد يجلس وهُو ينظُر إليها .. نظرات لم تستطيع تفسيرها أهُو غضب أم حنين؟
قالت بابتسامة:
- مبروك على المنصب ..
ثُم تابعت:
- أنتَ نسيت تبعت ورقة طلاقي!
- وأنتَ نسيتي أنك متجُوزة ليهِ؟
وذلك لم يكن سؤالاً اكثر من غضب يخبرها بعُنف، لتبتسم بإستخفاف:
- أنتَ اللي خلتني أمشي، ودي حياتي اللي أنتَ عارفها ومكنتش عايز تكمل معايا علشانها. إيه اللي يخليك تفتكر إني همشي على قوانينك أنتَ .. ليه وأنتَ سبتني من غير وجه حق!
وتلك الكلمات خرجت منها مُنكسرة ضائعة، تريدهُ أن ينظُر  إلى عينيها ليرى كم هي تشتاقهُ ولكنها لاتستطيع البُوح بأي كلمة، كبريائها فوق الجميع حتى هُو ..
وقفت حين لم تنل إجابة منهُ، وكادت أن تمسك بحقيبتها إلا أن يديه تمنعها.. شعر بتوترها وأثر لمستهُ على يديها، ليقترب منها قائِلاً:
- آنـا .. أسف.
أنتشلت كفها من يديه قائِلة:
- وأنا هفيدني آسفك في إيه؟
وهي تعلم بأن لاشيء سيعيد ماكُسر بداخلها، ثُم أردفت وهي تنظر لكُوب ماء.
- لو فاكر أن كل حاجة بتتصلح مع كلمة آسف دي ..
ليُتابع ماتفعلهُ، ليجدها أخذت كُوب الماء وألقته على الأرض حتى تهشم بأكملهُ إلى قطع صغيرة قائِلة:
- أعتذر تاني يمكن الكوباية ترجع زي الأول.
وأنتشلت حقيبتها في لهفة ورحلت أمام عينيهِ، شعر بالغضب الكبير في ضلوعهُ، أقترب منها بسرعة حتى أغلق باب المكتب قبل أن تترجل للخارج، ليهتف :
- أنتِ فاكرة أني فرحان يا سديم، لأ أنا فعلا حبيتك وبحبك، بس أنتِ مستحيل تتأقلمي معايا، فعلا اللي أتكسر عمرهُ ماهيتصلح، بس بيتحسن، الأعتذار بيحسن العلاقة، بيحسن الظروف والمواقف،  حتى لو ماسمحتنيش هفضل أعتذر، لأنك عمرك ما كُنت تستاهلي اللي حصل..
- لو فعلا الاعتذار بيحسن كل حاجة، أنا ليه قلبي لسه واجعني، ليه لسه واقفة في اليوم اللي سبتني فيه، ليه كان عندي أمل ألاقيكَ بتعتذري وتقولي ميهُنش عليا غيابك، الأعتذار لما بيجي متأخر .. بيفقد كل حاجة.. بيفقد الذكريات اللي جمعتنا، حالة التبلد بتجلنى، لمُجرد أنهُ جيه متأخر..

صهَيِّل الجِيَّادِ.✅حيث تعيش القصص. اكتشف الآن