[ الفصل العشرِوُن].

2.6K 94 2
                                    

الفصل العشـروُن مِنْ رواية صهيل الجياد.
__
" عزيزي الحُب، لماذا حظَ الجميع أشخاص وأنا نِصف قلب!".
توقفت  كامليا عن السير للأمام، وألتفتت لهُ تُناظرهُ بإبتسـامة ماكرِة تعلُو ثغرها، لتقترب منهُ وتميل لهُ قائِلة بخُبث:
_(( إشمعنـا غيرت رائيك دِلوقتي؟، مِش كُنتَ رافض؟)).
رفع مُقلتيهِ إليها وهُو يتفحصها:
_(( وإيـه يعني لما أغير رأي؟، ولا أنتِ ليكِ رأي مُختلف؟)).
صدر منها ضحكة عالية، لتقُول لهُ وهي تبتعد بِخـيلاء:
_(( لأ مغيرتش رأي، بس محتاجة وقت أفكر ..)).
وأغلقت الباب خلفها وقد تقابلت عينيها بـ عيناى بلقيس المُراقبة لهُما بحُزن وشفقة على حالها، لتَبتسـم إليها كامليا إبتسامـة ساخرة وتكُمل سيرِهَا نَحُو الأمام، قبضت بلقيس على كفها بغضب شديد، تعلـم بأن تلك الكـامليا تخطط لأمر .. ولكنها لن تحعلها تهنـأ بهِ..
على الصعيد الآخرـ كانت لُوجينْ تُراقب عدنان بعينيها الشاردة .. حتى أنها لم تنتبهِ إلى بلقيس التي وقفت أمامها، لتلفت نظَر بلقيس ماتراه، لترفع حاجبيها في إستغراب قائِلة بين نفسها:
-( هي كمان بِتحب من طرف واحد؟).
لتتنهـد جاذِبـة إنتباهَ لُوجين بِصفع الملف على المكتب، لتنتفض لُوجين بِزُعر  وقد أنسكبت القهَوة على ملابِسها، لتهتف بلقيس بقلق وهي تأخُذ منديلا وتبدأ بمسح بقايا القهوة:
-( أنا آسفة أني خضيتكَ يا لُوجين واللهِ..).
قاطعتهـا لوجين بِنبرة هادِئـة قائِلة بإبتسامة خفيفة على ثغرها:
-( ولا يهمك يا بلقيس، أنا كُنت سرحانة وأستاهل الليِّ يحصلي!).
وعينيها تلاقت بهِ في لمعة حُزن تلتصق بين قسمـاتها الجميلة أفقدتها حيويتها، شعرت بلقيس بِشعُور لاذع بصدرها، أللدرجة هذهِ الحُب مؤلـم!، لدرجة بأننا أصبحنا لانِشعُر، ذهبت لُوجين إلى المرحاض حتى تُنظِف ثَوبها، وظلت بلقيس تندب حظ قلبها الذي لم ينَّل شرف الحُب قط!

____
عـاد عُبيد على الظهيرة من العمل، ليصعد على الفُور إلى شقة عائلتهُ قبل شقتهُ، أغتسل وتوضأ وصلى، وظل شارد الذهن بما حدث تارة يُأنب نفسهُ بما فعلهُ بها، وتارة يغضب بما نالهُ مِنها، صفعة أفقدتهُ صُوابهُ، والجميع يشهد بأنهُ حين كان بعيدًا عنها كان يمتلك عقلهُ، ولكن الآن أصبح مُختل في تصرفاتهُ مع الجميع حتى معها!
نادتهُ خديجـة ليجِلس معها قليلاً بالصـالون، ثُم أمسكت بكفيهِ تُربتَّ عليهُمـا برِفق ولين، وإبتسامة حنُونة ترتسـم بملامحها، لتقُول لهُ بهـدوء:
-( قُولي بقى، ليه عملت كده مع سديم؟ مِش المفروض نتعامل معها برقة وحنية، أنا عمري ما شُوفتك بالعُنف والقسوة دي).
ليردف:
-(( يا أمُي ..).
أعترضت كلماتهُ من البث، لتقُول:
-( متقُوليش توضيحات ولاتفسير،مهما يحصل مينفعش تتصرف معها بهماجية دِي مراتك، مهما كانت غيرتك وعصبيتك وغضبك ميُوصلش كل ده لأهل بيتك، هما ملهمش ذَنب في أي حاجة، أنتَ مشفتهاش وهي هاريِّة نفسها عياط، انا عيطت على زعلاها وخُوفها منكَ، باللي عملتهُ معها أنتَ هديت كل اللي بنيتهُ!!).
-( غصب عني واللهِ، انا أول مرة أخرج عن شعوري معها بس أنا محبتش أن زين يلمسها أو يقرب منها، انتَ عارفة أنا بكره زين ليهِ، لأنهُ أناني، شايف أن كل حاجة لازم تبقى ليهِ بِحُكم أنهُ الكبير، سديم مكنتش ليهِ من الأول، بس هُو بشتى الطُرق خلى بيني وبينها سد زمان ودلوقتي بيحاول يعمل كده).
وضعت كفها على ظهر بَنِيها تُربت عليهِ بحنـو:
-( ولُو، كل ده بقى من الماضي يا عُبيد، أنتَ اللي بقيت جُوزها، يعني لاينفع تتعصب عليها ولاتمد أيدك عليها أوحتى تأذيها بكِلمة حتى لو جوازك منها مؤقت
رفع عينيهِ إليها والآلـم فيهما، تعلم ماتعنى نظرتهُ، هُو يكرههَ ذلك، الجميع بالتأكيد شهر آخر وسيُطالبونهُ بأن يقُوم بتطليقهـا، ولكنهُ لايستطيع، لايستطيع بعد شعر بقلبهُ ينَبُض من جديد بقُربها، قُرب يحَيــه لايُميتهُ أو يقتلهُ، كيف لهم بأن يطالبوهُ يومًا بروحـهُ، والروح بها مُتعلقـة!
لتحضن خديجة وجههُ بين كفيها قائِلة بحُزن:
-( للدرجاتي بتحبها ياعُبيد، متأذهاش يابني، سديم مَبقتيش اللي تعند معاك أو تتخانق،بقت غيرَ لما عرفتك وعرفت حُبك ليها، ولو هي طالبت بالطلاق مينفعش تحجزها أو تسجنـهـا بالغصب، دي الست بكلـمة واحدة بتمـيل!).
أومـأ لوالدتهُ وعينيهِ تذرف الدِمُوع في حُزن بالغ، جفف دموعهُ وذهب إلى أختهُ يحدثها عما يجتاح صدرهُ، طرق باب غُرفتها مرتين والثالثة أجابت بِصُوت مُتحشرج، ليراه على الفراشَ، مُتعبة وعينيها تكسُوها حُمرة شديدة، مسح على شعرها بحنان مُقبِّلاً جبهتها بحنـان، ليقُول بثبات:
-( أنا عارف أنك بتحبي هاني يا سلمى).
وأنطلقت شهقة من شفتيها، لتقُول بغيظ وحُزن:
-( هي سديم قالتلكَ؟).
هـز رأسهُ عدة مرات قائِلاً وهُو ينظُر إلى عينيها:
-( فضحتي نفسك بإيدك و عيونك مخفتش لهفتك وحُزنك لما عرفتي أنهُ هُو اللي هيُخطب سمر).
لم تستطع الصُمود لترتمي بِحُضن أخيها باكيـة، لتقُول بصُوت مختنق:
-( غضب عني والله، حبيتهُ من كام سنة، لا عُمري كلمتهُ ولا حتى أتعاملت معها غير مرتين، أنا حافظت على حُبي علشان ربنا يكتبلي فيه الخير، بس أنا تعبانة مش عايزة سمر تاخدهُ، سمر متستهلش ضفرهُ حتى ياعُبيد!).
نظـر لعينيها قائِلاً:
-( إفرض كان نَصيبها ..).
قاطعتهُ بغيظ وخنقـة وهي تلكـزهُ من ساعدهُ قائِلة:
-( لأ يا عُبيد، أنا مش مرتاحة للخطُوبة، و مش هيحصل نصيب إن شاء الله، علشان ربنا عمرهُ ماهيوقع قلبي على غلط إلا لو هتعلم منهُ ).
-( مشِ مُمكن يكُون الدرس من كده، متبادَريش بحُب أنتِ متعرفيش عواقبهُ).
لتبتسـم بألم وعينيها تسقط دموعها زحفًا على وجنتيها:
-( كُنت هتكُون أول واحد يتعلم منهُ ياعُبيد، أنتَ فضلت تحب سديم حتى وأنت عارف أن زين هيتجُوزها).
شعر بالتخشب بجسدهُ، كلماتها على حق، هُو أحب سديم وظل يحبها سنوات ولم يمل أو يكل من ذلك الحُب، حتى وهُو  جالس لم يكن يعلم بأمر ألغاء الزفاف أو هروُب سديم ولكن لفظ أسمها تجتاحهُ مشاعر الحُب كالعاصفة الهُوجاءَ الشديدة ..
صعـد للأعـلى بخطُوات ثقيلة، لايعلم المصير الذي سيُلقيهِ منها، لن يتفاجأ إذا صفعتهُ مرة آخُرى وطلبت الطلاق، ولكنهُ يتمنى أن يشفع الله لهُ في تلك اللحظات أن يكُون بقلبها مثقال ذرة من حُب لهُ، فتح باب الشقة وشعر بصقيع الهدُوء يقتلهُ من الداخل.
تراجع وتردد في إضطراب وخُوف بأن يطرق الباب عدَّة  مرات، ولكنهُ يجب عليه مواجهـة قدرهُ معها، فتح باب غرفتهُما، وجدها على الفراش وشعرها يُغطي وجهها، أقترب من الفراش، خلع نعليهِ ثُم وجهَ نظرهُ لها، وحين شعرت هي بحركتهُ، أجهشـت بالبُكاء بمرارة قائِلة بـ رجاء:
-( عُبيد).
لم يستطع كتم حُزنهُ، لتمتلأ عينيهِ حُزنًا بما آل حالها، تظُن بأنهُ سيضربها أو يلقنها درسًا بصفعهُ لها والأمران تخاف أن تراهما على يدهُ، تحركت أناملها الصغيرة لهُ تعانقهُ وتبكيِّ، وعبارات الأسف تخرُج بخُوف من بين شفتيها، ليشد على عناقهـا قائِلاً وهُو يُربت على ظهرها بحنان:
-( أنا اللي آسف، مكنش لازم أعملك وحش كده، أنا أنسان زبالة وعديم الضمير علشان أسيبك بالحالة دي، بجد سامحيني، ولو عايـزة تطلقي أنـ,).
قاطعتهُ تضع كفها على شفتيه تهـز رأسها نافيه قائِلة:
-( متقُولهاش، مهما حصل أنا اللي غلطانة، زين صفحة وأتقفلت خالص، أنا عايزة أبدأ حياة جديدة معاك ..).
صدمتهُ قليلاً، ليهتف بتفاجأ:
-( بـجد! بالرغم من عُقدي وشخصيتي وأسلوبي ..).
-( بالرغم من كُل ده، بس أنا عارفة أنك بتحبني، وعارفة أنك مش هتسبني، هتزعل على زعلي، مش هتيجي عليا وهتحميني..).
عانقـها بقوة فجأة، لتبتسـم وهي تشعر بتشنجاتهُ، يقُول:
-( بقالي عشر سنين مستني اللحظة دي ومش مصدق ياسديم).
بادلتـهُ العناق وهي تُغمض عينيها تُريد النوم بين ذراعيهِ بِسلام، وتشعر بنبضات قلبهُ العالية، بالرغم مما بها من عيُوب، هُو لم يراها بل رأى مميزاتها، رأى قلبها قبل جمالها، أحب شغفها وحُبها للكثير، ولن يهدم تلك اللحظة التي تمنها بأي فعل، أو من يدري لعل أحد يتصيد لهما بلحظة تفكك لمَّ شملهما مرة واحدة.

صهَيِّل الجِيَّادِ.✅حيث تعيش القصص. اكتشف الآن